الانحياز الفلسطيني ..من المستفيد؟
الدكتور: رشيد عبّاس
القبة نيوز-يبدو ان ملامح المشهد الفلسطيني في المنطقة تأثر بالانحياز الفلسطيني تجاه القضايا المستجدة في المنطقة, والمتتبع للانحياز الفلسطيني تجاه القضايا الاقليمية يلحظ ان هناك خط بياني متصاعد يظهر فيه انحياز فلسطيني متباين لكل من حركة فتح وحركة حماس, حيث ان كل منهما ينحاز لطرف دون الاخر, مما جعل مكانة القضية الفلسطينية في حالة تراجع مستمر في المحافل الدولية, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, الى متى سيبقى هذا الانحياز الفلسطيني المتباين لكل من حركة فتح وحركة حماس؟ وللإجابة على هذه السؤال لابد من قراءة سجل انحياز حركة فتح لفترة ما قبل الانقسام الفلسطيني, وقراءة سجلات انحياز لكل من حركة فتح وحركة حماس, لفترة ما بعد الانقسام الفلسطيني قراءة متأنية.
الانقسام الفلسطيني او ما يسميه البعض صراع الأخوة, وهو مصطلح يشير إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في فلسطين, واحدة في الضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح, والاخرى في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس،..هذا الانقسام (البشع) للأسف الشديد عمل على تعميق انحياز الفلسطينيين للأحداث الجارية في المنطقة بطريقة او بأخرى, في الوقت الذي ينبغي فيه ان لا ينحاز كلا الطرفين لأية جهة ضد اي جهة اخرى, فالانحياز المنقسم سيؤدي في نهاية الامر الى تراجع تلك الاطراف عن دعم القضية ماديا ومعنويا.
بكل صراحة, حركة فتح قبل الانقسام الفلسطيني كانت وامام كثير من القضايا الاقليمية كانت تنحاز لجهات ضد جهات اخرى, وبعد الانقسام الفلسطيني اي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006م، اصبحت حركة فتح تنحاز لجهات معينة, وحركة حماس تنحاز لجهات مغايرة اخرى, وبهذا الانحياز وفي كل مرة يضيف الفلسطينيين من خلال حركة فتح وحركة حماس تراجع اقليمي لقضيتهم العادلة من خلال غضّ الطرف لما تقوم به دولة اسرائيل على الارض الفلسطينية, والامثلة على ذلك كثيرة.
على سبيل المثال لا الحصر, قبل الانقسام الفلسطيني كان هناك انحياز احادي الاتجاه من جهة حركة فتح حول قضية الحرب العراقية الايرانية, وحول قضية الحرب والاجتياح الإسرائيلي للبنان, وحول قضية الغزو العراقي للكويت, ولا شك ان هناك تراجع كبيرة انعكس سلبا على القضية الفلسطينية بمجملها جراء هذا الانحياز لطرف دون طرف اخر, كيف لا وكانت جميع الاطراف تنظر الى ان حركة فتح على انها حركة تقف او يفترض ان تقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف.
اما بعد الانقسام الفلسطيني كان هناك انحياز واضح وباتجاهين متعاكسين لكل من حركة فتح وحركة حماس نحو العديد من القضايا الاقليمية, كقضية الربيع العربي, وقضية عاصفة الحزم, وقضية الاسلام السني, وقضية الاسلام الشيعي, ولا شك ايضا ان هناك تراجع كبيرة انعكس سلبا على القضية الفلسطينية بمجملها جرّاء هذا الانحياز المفرط, كون حركة فتح وحركة حماس تمثلان من وجهة نظر جميع الاطراف القضية ككل.
الانحياز الفلسطيني هو انحياز إعلامي فقط لا يقدّم ولا يأخّر بشيء, فحركة فتح وحركة حماس لا تملكان اي من المال او اي السلاح لكي تنحازا به لجهة دون اخرى, فهو انحياز معنوي فارغ المضمون, في الوقت الذي سيعود فيه هذا الانحياز سلبا على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته العادلة, واليوم يلحظ الجميع تبعات هذا الانحياز على جوهر القضية, فقد انصرف الكثيرون عن تناول القضية الفلسطينية في منصاتهم الإعلامية, حتى باتت نشرات الاخبار والتقارير الصحفية في كثير من دول المنطقة لم تعد تتناول القضية الفلسطينية في تلك المنصات الإعلامية.
نعم, تبعات الانحياز الفلسطيني الصادر عن حركة فتح وحركة حماس لكثير من القضايا الاقليمية, ادى الى اسقاط القضية الفلسطينية من وسائل الإعلام المسموع والمرئي لكثير من دول المنطقة, وهذا واقع لا يمكن لاحد ان يتجاهله او ان يقفز عنه, ولا شك ان المستفيد الاول والاخير من هذا التحوّل هم الإسرائيليين, فقد زرعوا بذور الفرقة بين الفلسطيني والفلسطيني, وبين الفلسطيني والعربي, وحان للإسرائيليين اليوم قطف ثمار الفُرقة التي زرعوها بيننا.
ومن زاوية اخرى, يمكن القول ان الانحياز الفطري غير المعلن للفلسطيني العادي امر مقبول ولا اشكالية فيه, لكن المشكلة تقع على عاتق ظاهرة الانحياز الشعبي المُوجّه والمعلن عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي,..هذا الانحياز بالضرورة ان يفقد معه الشعب الفلسطيني استمرارية قضيته المصيرية, لا قدر الله.
نأمل..
ازالة مسببات الانقسام الفلسطيني بين حركة فتح وحركة حماس, ودمج السلطتين السياسيتين التنفيذيتين في سلطة سياسية تنفيذية مشتركة واحد, ومن ثم الابتعاد عن (الانحياز) تجاه اية قضية اقليمية مستجدة, سواء كان ذلك الانحياز من جهة السلطات السياسية الفلسطينية, او من جهة المواطنين الفلسطينيين.
لتعود القضية الفلسطينية قضية عربية اسلامية ايضا..