نضال انور المجالي يكتب: الموسوعة الشاملة "أم كشكول" في عصر السرعة

في زمن كثرت فيه "المواهب" المتنقلة كالفيروسات الموسمية، وتعددت فيه "الشخصيات" بقدر موديلات الهواتف الذكية، تبرز لنا ظاهرة تستحق التأمل والتحليل، أو ربما… "الضحك من القلب" إذا سمحتم لي. إنها ظاهرة "أم كشكول"، أو كما أحب أن أسميها: "الموسوعة الشاملة بنسختها المتنقلة".
"أم كشكول" هذه، يا سادتي، ليست مجرد شخصية واحدة، بل هي باقة متكاملة من المهن والخبرات، مقدمة إليكم في عبوة واحدة قابلة للاستهلاك السريع. ففي صباح يوم مشرق، قد تستيقظ "أم كشكول" لتجد نفسها في دور مذيعة أخبار تطلق العنان لحنجرتها الذهبية، مستعرضة آخر المستجدات السياسية والاقتصادية وكأنها قضت حياتها بين نشرات الأخبار وتقارير وكالات الأنباء. وما أن تنتصف الظهيرة، حتى تتحول ببراعة مدهشة إلى سياسية محنكة، تطلق التصريحات النارية وتحلل الأوضاع الإقليمية والدولية وكأنها جلست على مقاعد الأمم المتحدة طوال عمرها.
ولأن البطن قبل البدن، لا تستغربوا إن رأيتم "أم كشكول" في المساء وقد ارتدت مريول المطبخ، ملوحة بملعقة خشبية وهي تشرح لكم أسرار فن الطبخ، وكيفية إعداد أشهى الأطباق الشرقية والغربية، مع لمسة فنية لا تخلو من "بصمة شخصية" لا يفهمها إلا هي. وبين طبق وآخر، قد تجدها فجأة تتحول إلى خبيرة تسويق، تروج لأي منتج يخطر على بالكم، من معجون الأسنان إلى أحدث أنواع السيارات، وكأنها وكالة إعلانية متنقلة بكل ما للكلمة من معنى.
ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد! ففي ذروة الإبداع والتمكن، وبعد كل هذه الأدوار المتنوعة، تقرر "أم كشكول" أن تختتم يومها الفني بتحفة فنية لا تُضاهى: تتحول إلى ممثلة بارعة. هنا، تتجلى كل تلك "الخبرات" المتراكمة في أداء درامي يجمع بين صرامة المذيعة، حنكة السياسية، لمسة الشيف، وقوة إقناع المروجة. فالمشهد الواحد قد يحوي دمعة المظلوم، وصرخة المقهور، وضحكة المنتصر، كلها في آن واحد!
لا شك أن "أم كشكول" هذه هي تجسيد حي لمقولة "اعرف شيئاً عن كل شيء، وكل شيء عن لا شيء". ففي عصر "السوشيال ميديا" الذي أتاح لكل من هب ودب أن يصبح "خبيراً" في أي مجال بضغطة زر، أصبحت شخصية "أم كشكول" هي البطلة الخفية التي تستحق التصفيق، أو ربما… الشفقة.
فيا "أم كشكول" أيتها الموسوعة المتنقلة، ترفقي بنا قليلًا! دعِ كل ذي مهنة ومهنته، وكل ذي اختصاص واختصاصه. فالحياة ليست مسرحية كوميدية مفتوحة، والجمهور قد ملّ من كثرة الأدوار والشخصيات المتناقضة. وإن كنتِ مصرة على كل هذه الأدوار، فليتكِ على الأقل تتقنين واحداً منها على أكمل وجه، لعلنا نجد فيكِ "بصمة" حقيقية تستحق الإشادة، بدلًا من هذا "الكشكول" العجيب الذي يجمع كل شيء ولا يتقن أي شيء.
حفظ الله الاردن والهاشمين
نضال انور المجالي