facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

تصريحات ترامب في الاطار الاستراتيجي

تصريحات ترامب في الاطار الاستراتيجي
القبة نيوز - بقلم الباحث السياسي والخبير الإستراتيجي لافي العمارين 

على وقع صراع القرن والتاريخ بين العرب ودولة الاحتلال في الشرق الاوسط والتي تمثلها القضية الفلسطينية، كثر الحديث عن عملية التهجير من الارض الفلسطينية الى خارجها رغم محاولات ابداء هذا الطرح على استحياء في العقود السابقة، ولم تأل دولة الاحتلال جهدا في السعي لهذا الطرح الذي يعبر عن ارادة عقائدية تمهد لتحقيق حلمها المزعوم بأنشاء دولتها الكبرى على الارض العربية، ولكنها تعلم جيداً بالرفض العربي والاسلامي لهذا التوجه، ولارتباط سياساتها بالإرادات الامريكية في منطقة الشرق الاوسط التي تحكمها المصالح الحيوية، فكانت محدداً لقدرتها عن التعبير بالقول او الفعل لمصطلح التهجير، وأبقت هذا الحلم ضمن سياق المصطلحات وتجزئة المفهوم بالحروب الصغيرة ، وتوسيع رقعة الاستيطان أملاً منها في خلق واقع تفرضه على الفلسطينيين ودول المنطقة .

بعد مضي ما يقارب سبعة عقود على احتلال الكيان للأرض الفلسطينية، وضمن مخططاتها المستقبلية وبما يتوافق مع رؤيا الاستراتيجية الامريكية لمشروع الشرق الاوسط الجديد، أيقنت  دولة الاحتلال بأنه لابد لها من رفع سقف مستوى الصدام في المنطقة مع اصحاب الارض بشكل مباشر وعبرت عن ذلك بحرب غزة، واستباحة سيادة لبنان وسوريا، من خلال خلق المبررات من عدو العلن وصديق الخفاء ايران التي انيط بها دور تفكيك الدول وتفتيت الشعوب، ولم يكن في خلدها سوى ان عملية التهجير هي المرحلة الاخيرة لإعلان ما يسمى "اسرائيل الكبرى"

يبدو ان دولة الاحتلال وامريكا قد عملوا على تسخير كافة الوسائل المادية والمعنوية ضمن استراتيجياتهم المستقبلية وتصوراتهم حول مشاريعهم في منطقة الشرق الاوسط وبالأخص المنطقة العربية، تزامناً مع التغيرات المتتالية في الشرق الاوسط ، من حرب غزة وانقلاب الوضع السياسي الداخلي في لبنان وانهيار النظام السابق في سوريا وتراجع ايران المفاجئ، كل تلك المؤشرات تشي بأن هناك حدث اكبر تخططه كل من دولة الاحتلال وامريكا ، نعم لم تكن تصريحات ترامب كما يفهمها البعض هوجاء ومتناقضة كما يحلله البعض وتنطلق من منظور اقتصادي، وانها تثير الازعاج اكثر منها ذات جدوى، ليست بهذا الفهم تؤخذ التحليلات، فلا يمكن لساسة اقوى دولة في العالم ان يسمحوا بهذه التصريحات لولا يقينهم التام بأنها تنم عن محتوى لا زال غامض بالنسبة للأطراف الاخرى، ان النظام السياسي الامريكي يرتكز على المؤسسات وليست الاشخاص، فلا يمكن ان تتجاهل امريكا مصالحها الحيوية مقابل تصريحات تضعها على حافة الهاوية امام خيارين النجاح وتنفيذ مضمون التصريحات أو الفشل وبالتالي تفقد امريكا تأثيرها العالمي امام العالم وحلفائها.

يرى عدد من المحللين الاستراتيجيين ان هذه التصريحات لا يمكن قراءتها الا في سياق الفكر الاستراتيجي الامريكي المتصهين، بهذه التصريحات لجأت امريكا ودولة الاحتلال الى الاساليب المعنوية والنفسية للتأثير على شعوب المنطقة العربية، واوروبا وشمال وجنوب اريكا اللاتينية، ان هذه التصريحات هي ذاتها استراتيجية ، فنحن ننظر الى المحتوى على انه هراء وضرب من الخيال، وبالنسبة لها وامريكا فهو خلق واقع وهمي يجعل من الحلم حقيقه، وهذا واقع فعلي فموضوع التهجير للفلسطينيين اصبح الان يناقش وتتضارب حولة ردود الفعل ووجهات النظر، لا بل اصبح يناقش على مستوى خطط، وهو ما تطمح كلا الدولتين على تحقيقة ولو بعد حين، وتجاوز ذلك لان يصبح محل تفاوض، فمراوغتها في اتفاق غزة هي ترجمه لمحاولتها التفاوض على التهجير ، وهاهم العرب يبدون رفضهم القاطع وبالتالي بدأ الخيال حقيقة.

بدا واضحا ان كل من نتنياهو وترامب بدءا في تنفيذ استراتيجياتهم الخبيثة اعتماداً على نظرية الخان والوهم، والتي تعتمد على جعل الخيال واقع اعلامي تدرجا الى المستوى السياسي وهو المطلوب، فقضية التهجير التي كانت "وهم" ها هي تناقش على الطاولة، وتناقش خططها، ثم ذهبا ترامب ونتنياهو الى استراتيجية الفوضى ( اغراق الساحة )، وتهدف هذه الاستراتيجية الى اغراق الرأي العام العربي والعالمي بتصريحات وقرارات سريعة ومتضاربة رغم علمه بانها عديمة الجدوى آنيا ولكنها تحدث تأثير مستقبليا وتسبب التشتيت للدول المستهدفة، وبذلك هو يخلق سردية سياسية يفترض مناقشتها وبالتالي يجبر الاخرين على التعاطي مع هذه التصريحات وإظهار ردود الافعال المعاكسة وبالتالي الكشف عن قوة الخصم، بالإضافة الى ذلك استخدام اوراق القوة والتكرار في الطروحات ، مما يجعل الامر مألوفاً لدى شعوب المنطقة ودولها ويتسبب ذلك في تدني درجات رد الفعل ، فها هو ترمب يلوح بورقة المساعدات الاقتصادية للأردن ومصر .

في ذات الوقت ينتهج ترامب على المستوى الشخصي في خطاباته وتصريحاته حافة الهاوية، ليضع الخصم في الزاوية الضيقة ثم التفاوض معه للحصول على مكتسبات أقل، فهو يصر على قراراته لحين التوافق على نقطة ما يضمن من خلالها تنازل الطرف الاخر، ان المحلل لهذه الاستراتيجيات المترجمة عبر تصريحات ترامب وافعال نتنياهو ، يجب ان يحدد مدى نجاحها في التعاطي معها ، او افشالها بالرد الرافض الذي لا يسمح بإعادة اثارتها ومناقشتها مرة اخرى، وبالتالي عكس حافة الهاوية على ترامب نفسة واسقاطه امام الرأي العام الامريكي والعالمي، ان الرد على مثل هذه النظريات والاستراتيجيات يتطلب اوراق قوة متعددة، ذات فاعلية تعكس نفس قوة الطرح والاتجاه على الجانب الامريكي والصهيوني ، مهما كان موقف الاردن ومصر فهو لا يكفي ان لم ينظر الى القضية الفلسطينية على انها قضية عقيدة أمه وقومية .

الغريب في الامر ان كل من ايران وتركيا تغني على الاطلال خارج السرب، لابل تجاوز ذلك الى غض البصر من ايران التي لم تآل جهداً في تقديم المسوغات لدولة الاحتلال على حساب الامه، فصمتها عن قضية التهجير ضمنياً يعني الموافقة على ما يطرحه ترامب ونتنياهو ، فأضحى واضحاً بلا شك متاجرتها بالقضية الفلسطينية لصالح مشروعها الفارسي والنووي امام امريكا، على الجانب الاخر تطل علينا الجمهورية التركية بتصريحات في ظاهرها حق يراد به باطل، ففي الوقت الذي يرفض فيه العرب التهجير لسكان غزة والضفة تبدي تركيا استعدادها لاستقبال الفلسطينيين على اراضيها وهو ما يخدم المشروع الصهيوني المستقبلي ، وما زاد الطين بلة عندما يصدر تصريح أوغلو بأن غزة خرجت من السيطرة العثمانية الى الاحتلال الاسرائيلي، منكراً الجنسية العربية الفلسطينية لأهل غزة وهذا ما اوردة احمد داوود أوغلو المفكر التركي في استراتيجية العمق الاستراتيجي التي تبحث عنه تركيا ، وهو ما يصب في مصلحة الاحتلال وامريكا ، ها هي ايران وتركيا يغرسا خنجرهما في خاصرة الامة العربية .
بقي ان نصدق قول المصطفى نبينا محمد علية الصلاة والسلام في تكالب الامم على الامة وقضيتها ، ولم يبقى لدينا كعرب الا استخدام العقول للخروج من هذا المأزق بما نملكة من اوراق ضغط تمنحنا القوة امام الاخرين .


كلمات دلالية :

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير