إتساق السياسة الخارجية الاردنية الصينية .. بقلم الباحث المختص بالشؤون الإقليمية والدولية لافي العمارين

القبة نيوز - الباحث المختص بالشؤون الإقليمية والدولية لافي العمارين
منذ بدء توطيد العلاقات الاردنية الصينية وعلى مدى عقود، يلحظ المتتبع لهذه العلاقات بأنها تتوائم في الكثير من السياقات الداخلية والخارجية بالنسبة للدولتين، فالسياسة الخارجية في مفهومها العام هي الاهداف والاستراتيجيات والاجراءات التي تسعى اليها الدولة في علاقاتها مع الدول الاخرى في النظام الدولي، وبهذا المفهوم فأن كل من الاردن والصين لديهما أهداف واستراتيجيات في التفاعل مع النظام الدولي والقضايا الدولية، ورغم التفاوت في حجم الاهداف والقدرات التي تبنى عليها السياسة الخارجية للبلدين الا أن مؤشرات التوجهات في العلاقات الخارجية تتسم بالاتساق فيما بينها تماشيا مع مقتضيات المراحل الزمنية وطبيعة التقلبات الدولية يشوبها بعض التفاوت في المواقف من بعض القضايا الجزئية احياناً
لا شك في أن جميع الدول تبحث عن مصالحها، وتنتهج ما يوائم توجهاتها ومشاريعها الخارجية، وعلى ذلك تتوارد المواقف وأدوات التنفيذ بشتى انواعها، فالسياسة الخارجية هي سياسة عامة تنبثق من السياسات العامة للدولة وتشترك معها في سمات وركائز عدة، وفي هذا السياق فأن السياسة الخارجية لكل من الاردن والصين، تشترك في الكثير من ركائز السياسة الخارجية وسمات الاتساق لكل منهما وكما يلي :-
سمة الاتساق الأولى تتمحور حول ان كل من الدولتين تركز على العلاقات الخارجية التي تخدم الاهداف التنموية والاقتصادية، في اطار أمنها الوطني الشامل كدولة، وبما يحقق استمرارية نموها الاقتصادية، وفي هذا الشق من الاتساق فأنه لا يمكن مقارنة القوة الاقتصادية للدولتين، فالتفاوت واضح جداً الا ان البحث عن الجانب التنموية تتوافر في عقيدة السياسة الخارجية لكل منهما
سمة الاتساق الثانية تتمثل في تجنب التورط في النزاعات الاقليمية والدولية، ويتضح جلياً في الدبلوماسية الخارجية الاردنية التي نأت بالنفس عن الانجرار الى مربع التحالفات والمناكفات الدولية والازمات الاقليمية في سوريا ولبنان والعراق وغيرها، علاوة على تعاطي الاردن مع القضية الفلسطينية في اطار عربي جامع ومظلة الدول الاسلامية، وموقف الاردن المحايد من الحرب الايرانية الاسرائيلية، وبذات الوقت نرى بأن الصين انتهجت ذات النهج الذي تجنبت فيه التدخل المباشر في ازمات دول الشرق الاوسط وافريقيا باستثناء الموقف الدبلوماسي الى جانب روسيا في الحرب الروسية الاوكرانية، وموقفها الذي شكل عامل توازن في الحرب الخاطفة بين الهند وباكستان بالنسبة لموقف الولايات المتحدة الامريكية، أضف الى ذلك مواقف الدولتين في أروقة الامم المتحدة والتي تنسجم مع القرارات الاممية تجاه عدة قضايا ، حيث تتسم مواقفهما الى نبذ العنف وقرارت استخدام القوة وتأييد ما فضي الى حفظ السلم والامن الدوليين
أما السمة الثالثة من الاتساق بين الاردن والصين، فيتمثل في توسيع افاق التعاون مع الدول المتقدمة وتوطيد العلاقات الاستراتيجية معها بما يحفظ سيادتها ويصون أمنها ويرعى مواطنيها، فجل دول العالم تبحث في سياستها الخارجية عن ما يسهم في بناء ذاتها ومقوماتها، ويضعها كدولة مواكبة لتطورات العصر وامتلاك سبل القوة التنموية متعددة الاتجاهات، ففي الوقت الذي لا تتجاوز العلاقات الخارجية التمثيل الدبلوماسي مع بعض الدول الضعيفة، نجد بأن طبيعة العلاقات والروابط الخارجية لكل من الاردن والصين تتجاوز التمثيل الدبلوماسي وممتدة الى علاقات ثنائية واستراتيجية تعزز من اوجه التعاون مع الدول المتقدمة بهدف نقل تجارب وخطط ساهمت في تقدم تلك الدول، فالسياسة الخارجية للصين والاردن مع روسيا ودول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية، تحمل في طياتها التبادل العلمي والثقافي وزيادة جم التبادل الاقتصادي وتطوير العمل السياسي ونقل الخبرات وكسب التأييد في بعض المواقف الدولية
السمة الرابعة في سياق هذا الربط بين البلدين من حيث السياسة الخارجية وهي الاهم في علاقات البلدين الاستراتيجية، فتتكلل في التوافق الاردني الصيني حول مشروع طريق الحرير الذي يمثل أولوية صينية في الاستراتيجية العالمية، ففي عيون الصين يعتبر الاردن بوابة طريق الحرير من اسيا الى افريقيا ويعتبر الاردن البيئة الافضل للبنى التحتية التي تربط القارات الثلاث معاً، فالاستقرار التاريخي للدولة الاردنية وطبيعة سياستها الخارجية المتوازنة يسهم في المضي قدماً في تنفيذ المشروع الصيني والتي يمثل لها السلام والقوة الاقتصادية، أما بالنسبة للأردن فأن طريق الحرير بمشروعها الكبير تمثل تجديد لطريق الحرير القديم من الشمال الى الجنوب ضمن موقع جيوسياسي حيوي يضع الاردن على خارطة طرق التجارة العالمية، وأكد ذلك زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الى الصين عام 2015م ، وتوقيعه معاهدة تعاون استراتيجي بين البلدين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ، ضمن مبادئ السلام والتعاون المشترك
السمة الخامسة والتي تمثل خصوصية لكل من البلدين من حيث العقائد والاستراتيجية ولكنها تشترك في كونها تحدي يواجه كل منهما، فالأردن ضمن دول الصراع العربي الاسرائيلي، وسياسته الخارجية في اطار عمل عربي مشترك، وتمثل دور الصين في هذا الصراع على الحرص والتأكيد على تطبيق القرارات الاممية والمبادرة العربية، وعلى الجانب الاخر فأن مواقف الاردن تتسم بالتوازن فيما يخص القضية الصينية التايوانية، ولم تتدخل كل من الدولتين في شؤون الاخرى 0
في ظل هذا الاتساق في السياسة الخارجية للدولتين يمكن البناء مستقبلاً على تطوير العمل الاستراتيجي في مختلف المجالات وتوسيع أطر التعاون، وبناء نموذج اقليمي ودولي يحتذى به للدول الاقليم والعالم، وبذات الوقت يفتح المجال أمام الاردن لتوسيع آفاق العمل الاستراتيجي متعدد الاقطاب لأن في ذلك مصدر قوة على صعيد الازمات الدولية والاقليمية وتعزيز لجهود الدبلوماسية في اروقة مجلس الامن الدولي في قادم الايام