facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

الهناندة يكتب :الملك يقلّد ولي العهد شارة سيف القوات الخاصة ميلاد قائد في ميدان الرجال

الهناندة يكتب :الملك يقلّد ولي العهد شارة سيف القوات الخاصة ميلاد قائد في ميدان الرجال
بقلم: الأستاذ الدكتور فراس الهناندة- رئيس جامعة عجلون الوطنية

ليس في تاريخ الأمم لحظات عادية حين يكون الفعل أعمق من الصورة، والرمز أبلغ من الكلمات. في هذا اليوم المهيب، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، ليمنح سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد شارة سيف القوات الخاصة بعد أن استكمل — بكل عزمٍ وصبر — كافة متطلبات الحصول عليها. لم يكن المشهد مجرد تقليدٍ احتفالي، بل كان إعلانًا صريحًا عن مدرسةٍ هاشميةٍ تصوغ القيادات بالعرق والإنجاز لا بالخطابات أو الألقاب.

حين يضع الملك الشارة على كتف ولي العهد، فهو لا يمنحه امتيازًا؛ بل يبارك ثمرة جهدٍ شاق، وتجربةٍ ميدانيةٍ قاسية عاشها شابٌ اختار أن يكون جنديًا قبل أن يكون وليا للعهد. لقد واجه تحديات القوة والتحمل والانضباط، وتدرّب في صمتٍ بين زملائه من النخبة، ليخرج من بينهم قائدًا يشبههم… لا سليلًا مُدلّلًا. هكذا يربّي الهاشميون أبناءهم: من الميدان… لا من المنابر.

في فلسفة القوات الخاصة الأردنية، ليست اللياقة البدنية وحدها معيارًا للجدارة؛ بل القدرة على اتخاذ القرار تحت ضغط الزمن، والفطنة العملياتية في ظروفٍ متغيرة، والقدرة على قيادة الرجال من الأمام لا من الخلف. من ينجح هناك لا يحمل شارةً على كتفه فقط، بل يحمل بصمةً نفسيةً وروحية تُرى في العين قبل أن تُرى في الزي العسكري. ومن هنا تتضح الرسالة: القائد لا يُعيَّن… بل يُختبر.

لقد اختارت المملكة — مرة أخرى — أن تقول للعالم دون خطاب سياسي واحد: نحن دولة تُدرّب قادتها قبل أن تقدّمهم، وتُنشئهم في معسكر الرجال قبل قاعات الانتظار والترف الإداري. فالشباب الذي سيحمل المستقبل لا بد أن يعرف معنى التراب قبل القصائد، ومعنى العرق قبل المسؤولية، ومعنى التواضع قبل المجد. هذه مدرسة بُنِيت في محطاتٍ من التضحية، بدءًا من الثورة العربية الكبرى، مرورًا بسنوات التأسيس، وصولًا إلى حاضرٍ يعرف تمامًا أن البقاء يتطلب عقلًا صلبًا وقلبًا شجاعًا.

وليس الحدث شأنًا عائليًا داخليًا؛ إنه رسالة استراتيجية وطنية. رسالة إلى أبناء القوات المسلحة، مفادها أن ولي العهد واحدٌ منهم، يقف حيث يقفون، ويُمرّن جسده كما يُمرّنون، ويعرف حرارة التدريب كما يعرفون. ورسالةٌ إلى الأردنيين جميعًا، أن قيادتهم لا تُصنّع في المؤتمرات أو البروتوكولات، بل في ساحات الصمت التي يعرفها الجنود عند الفجر، حين يكون العزم هو اللغة الوحيدة المتاحة.

في زمنٍ تتباين فيه الموازين وتتزاحم فيه القوى حول الإقليم، يبقى الأردن ثابتًا كجبلٍ يعرف طريقه. لا يرفع صوته لينافس الضجيج، بل يرفع مستوى الفعل ليعلّم الآخرين معنى الاستقرار. وهنا، تتجسد عبقرية الهاشميين: قيادة تُورّث عبر التجربة، لا عبر الورق؛ وتُصاغ في ميادين التمرين، لا في مباني القصور.

إنه يومٌ يليق بتاريخٍ طويلٍ من الفروسية والوفاء. يومٌ يقول للجيل القادم: في الأردن، تسبق الجندية الحكم، ويُسبَق الواجب بالانتماء، ويولد القائد في ميدان الرجال قبل أن يجلس على مقعد القيادة.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير