الشملان يكتب : الاعتداءات على الكوادر التمريضية مؤشر خطير يستدعي موقفًا حازمًا
بقلم - ماجد الشملان
شهد مستشفى البادية الشمالية في محافظة المفرق مؤخرًا حادثة اعتداء مؤسفة تعرّض لها اثنان من أفراد كادر التمريض أثناء أدائهم واجبهم الإنساني والمهني.
وتسبّب الاعتداء، الذي استخدمت فيه أدوات راضّة وعصي وأدوات حادة، بإصابات واضحة ورضوض بالغة، إضافة إلى تهتّك في أصابع أحد الممرضين.
هذه الواقعة لم تكن مجرد مشاجرة عابرة، بل اعتداء مباشر على موظفين حكوميين أثناء تأدية عملهم، وعلى مهنة تعدّ من أنبل المهن وأكثرها مشقة.
تفتح هذه الحادثة باب التساؤلات حول سبب تكرار الاعتداءات على كوادر التمريض في المستشفيات، خصوصًا في الأقسام التي تواجه ضغطًا متواصلًا ومراجعين بأعداد كبيرة.
فالممرض، بطبيعة عمله، يقف في الواجهة الأولى للرعاية؛ هو أول من يستقبل المريض، وأول من يتعامل مع حالة الطوارئ، وغالبًا أول من يتحمّل ردود فعل غاضبة أو انفعالية تصدر من ذوي المرضى في لحظات حرجة.
ورغم تفاني الممرضين في أداء واجباتهم، إلا أنهم يواجهون تحديات صعبة، تتفاوت بين ضغط العمل اليومي، ضعف الإمكانات في بعض المستشفيات، وسوء الفهم المتكرر لطبيعة دورهم وصلاحياتهم الطبية.
ونستذكر هُنا أشهر أقوال جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين التي عبّر فيها عن تقديره ودعمه لكادر التمريض
* مهنة التمريض من أنبل المهن على مر العصور. إنها تجسّد القيم الإنسانية السامية، وتعكس ضمائر نقية لأولئك الذين بِيَدٍ بيضاء يقدمون الرعاية دون حدود، ويضمنون خدمة نوعية للمرضى
* ونحنُ عبدالله الثاني إننا نؤكد أن التمريض مهنة تحمل رسالة إنسانية، وتعكس المسؤولية تجاه المرضى والمجتمع، ويتطلب توفير بيئة عمل تُمكِّن الممرضين والممرضات من تأدية واجبهم بأفضل المعايير
* ونستذكر في خضم أزمات طبية مثل( جائحة كورونا)، وخلال اتصال سيد البلاد مع الطواقم الطبية والتمريضية، قال إن الجهد الذي يبذلونه "يرفع معنويات الشعب"، معربًا عن شكره لهم رغم الضغط والاستنفار.
* كما شدّد سيد البلاد على أهمية التطوير المهني والتدريب المستمر للكوادر الصحية، لتحسين مستوى الخدمات، مؤكدًا أن على الدولة والمؤسسات الصحية الاستثمار في الكادر الطبي والتمريضي.
ومع كل هذه الظروف، يصبح الاعتداء عليهم إضافة جديدة إلى سلسلة الضغوط التي تعيق أداء رسالتهم الصحية.
إن الاعتداء على الممرض ليس اعتداءً على فرد فحسب، بل هو اعتداء على منظومة صحية بأكملها.
فممرض يعمل تحت التهديد أو الخوف لن يستطيع تقديم رعاية آمنة، والمجتمع الذي يسمح أو يتساهل مع هذه السلوكيات هو مجتمع يهدد صحته بيده.
كما أن استمرار مثل هذه الحوادث يخلق بيئة عمل طاردة للعاملين في القطاع الصحي، ويزيد من نقص الكوادر، ويؤثر مباشرة على جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين.
ومن هنا تبرز أهمية أن يكون هناك موقف رسمي ومجتمعي واضح تجاه هذه الظاهرة. فالتهاون في تطبيق القانون، أو تصنيف مثل هذه الاعتداءات كمشاجرات عادية، يفتح الباب لتكرارها. المطلوب هو توجيه تهم صريحة باعتبار الاعتداء على الممرض «اعتداء على موظف عام أثناء أداء واجبه»، مع اتخاذ إجراءات رادعة تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث.
كما يجب تعزيز الأمن داخل المنشآت الصحية، ووضع آليات واضحة للتعامل مع الحالات الطارئة، وتنظيم حركة المراجعين، وإطلاق حملات توعية حول احترام الكادر الصحي وفهم طبيعة عمله وحدود مسؤولياته.
فالممرض ليس مسؤولًا عن كل قرار علاجي، وليس طرفًا في أي نتيجة طبية خارجة عن إرادته، بل هو يؤدي دوره ضمن منظومة كاملة، تتكامل فيها جهود الأطباء والفنيين والإداريين.
إن احترام الممرض وحمايته هو احترام لصحة المجتمع ولحق المواطن في الحصول على رعاية كريمة وآمنة. وعلى المجتمع أن يدرك أن الممرض يقف إلى جانب المريض في لحظة ضعفه، لا ليكون هدفًا للغضب، بل ليقدّم ما يستطيع من عناية ضمن حدود الإمكانات المتوفرة.
وفي الختام، تبقى الرسالة الأهم: مستقبل الرعاية الصحية يبدأ من احترام العاملين فيها. وإذا أردنا نظامًا صحيًا قويًا ومستقرًا، فعلينا أن نضمن لممرضينا بيئة عمل آمنة تليق بإنسانيتهم ومهنيتهم، وأن نساندهم بالقانون، وبالدعم المجتمعي، وبالتقدير الذي يستحقونه.
حفظ الله الأردن وقائدهُ وشعبه العزيز














