"مخاوف من "هواء سام" داخل مقصورات الطائرات قد يسبب أمراضًا خطيرة
القبة نيوز- تتزايد المخاوف من أن الهواء الملوث داخل مقصورات الطائرات التجارية قد يكون سببًا في أمراض قاتلة، وذلك بعد تحقيق موسّع كشف عن مزاعم تربط بين أبخرة سامة وتلف في الدماغ ونوبات قلبية وحتى حالات انتحار بين أفراد أطقم الطيران.
وتقول عائلات إن التعرض لما يُعرف بـ"حوادث الأبخرة" – وهي حالات يتسرب فيها زيت المحركات الساخن أو سوائل أخرى إلى نظام تزويد الهواء – أدى إلى إصابة طيارين ومضيفين جويين كانوا يتمتعون بصحة جيدة بأمراض خطيرة أو إلى وفاتهم، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "dailymail" البريطانية.
هل تمنع أميركا الكمبيوتر بمقصورة الركاب في كل الطائرات؟
في المقابل، ترفض صناعة الطيران بشدة وجود علاقة سببية مباشرة، مؤكدة أن هواء مقصورات الطائرات آمن ويلبي المعايير الصحية المعتمدة.
أعراض مفاجئة وتحقيقات مثيرة للجدل
وعثر صحفيون يحققون في القضية على عشرات الحالات التي أبلغ فيها أفراد من أطقم الطيران عن أعراض عصبية وقلبية ونفسية مفاجئة عقب تعرضهم لأبخرة وُصفت رائحتها بأنها تشبه "الجوارب المتسخة" أو الزيت المحترق.
واستشهدت عائلات الضحايا بتقارير تشريح الجثث، والسجلات الطبية، ودراسات الوفيات، معتبرة أن الهواء السام كان الشرارة التي أدت إلى تدهور صحي مدمر.
ورغم الإقرار بحدوث "حوادث الأبخرة" فعليًا، لا يزال الجدل محتدمًا حول ما إذا كانت قادرة على التسبب مباشرة في أمراض طويلة الأمد أو الوفاة.
ويتفق بعض الخبراء مع موقف الصناعة القائل بعدم وجود دليل قاطع، لكنهم يرون أن ذلك قد يعود جزئيًا إلى رفض شركات الطيران تركيب أنظمة لمراقبة جودة الهواء داخل الطائرات، ما يجعل قياس التعرض صعبًا، بحسب صحيفة "dailymail" البريطانية.
حالات فردية لافتة
من أبرز الحالات التي تناولها التحقيق، حالة رون ويلاند، طيار في الخطوط الجوية الأميركية يبلغ من العمر 54 عامًا، وُصف بأنه كان يتمتع بصحة ولياقة جيدتين قبل تدهور حالته.
ووفقًا لتحقيق نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، لاحظت زوجته عام 2016 أنه بدأ يخطئ في ضربات تنس سهلة ويتلعثم في الكلام بعد تناول مشروب كحولي واحد فقط.
وسرعان ما واجه صعوبة في إلقاء الإعلانات الروتينية للركاب، ما أنهى مسيرته المهنية بشكل مفاجئ.
وفي يونيو 2017، شُخّص ويلاند بمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو أكثر أشكال أمراض العصبون الحركي شيوعًا، وتوفي بعد أقل من عامين.
وترى عائلته أن التعرض لهواء سام داخل الطائرات كان سبب الإصابة.
وقبل شهرين من تفاقم الأعراض، كان قد ألغى رحلة بعد ملاحظته رائحة قوية لزيت المحركات أثناء تحريك طائرته من طراز "بوينغ 767" في مطار ميامي الدولي.
وخلال تشغيل المحركات لاحقًا أثناء الصيانة، امتلأت المقصورة بضباب كثيف لدرجة أنه لم يكن يستطيع الرؤية أبعد من الصفوف الأولى من المقاعد.
ورغم إقرار محاميه بوجود عوامل خطر أخرى محتملة، مثل التاريخ العائلي وطفرة جينية، فإنهم قالوا إن الأدلة تشير إلى "حادث الأبخرة" كمحفز رئيسي.
ونفت شركة الطيران هذه الادعاءات، لكنها توصلت إلى تسوية في القضية عام 2022 مقابل مبلغ لم يُكشف عنه.
وفاة طيارين ومضيفين وربط محتمل بالانتحار
كما سلّط التحقيق الضوء على حالة جيمس أندربرغ، طيار في شركة "سبيريت إيرلاينز" يبلغ 53 عامًا، تعرض للأبخرة على متن طائرة "إيرباص A319" عام 2015.
وبعد تجاهل متكرر لشكاوى من رائحة "الجوارب المتسخة"، عادت الأبخرة للظهور أثناء الهبوط في بوسطن.
وقال مساعده لاحقًا إنه لولا ارتداؤهما أقنعة الأكسجين، لكان جميع من على متن الطائرة قد لقوا حتفهم. وأُصيب الطياران بحالة صحية سيئة شديدة شملت القيء والرعشة والإسهال، وتدهورت حالة أندربرغ سريعًا.
وبعد 50 يومًا من التعرض، توفي إثر نوبة قلبية أثناء تقييده من قبل الشرطة بعد تصرفات وُصفت بغير المتزنة.
وكشف تشريح الجثة عن التهاب في القلب ومستويات مرتفعة من المسكنات، إلا أن الطبيب الشرعي صنّف سبب الوفاة على أنه "غير محدد"، لعدم القدرة على تأكيد أو نفي دور الأبخرة السامة.
وأشار التحقيق إلى دراسة ربطت بين نمط من إصابات القلب ومواد كيميائية موجودة في زيت المحركات المحترق، قيل إنها تتطابق إلى حد كبير مع نتائج تشريح جثة أندربرغ.
كما تناول التحقيق وفاة ماثيو باس، مضيف طيران في الخطوط الجوية البريطانية يبلغ 34 عامًا، تعتقد عائلته أن الأبخرة ساهمت في وفاته المفاجئة بسبب حالة قلبية.
وأظهر تشريح جثته التهابات في الجهاز العصبي وعضلة القلب، وهي نتائج مشابهة لحالات أخرى بين أطقم الطيران.
غير أن تحقيقًا رسميًا أشار إلى ارتفاع نسبة الكحول في دمه، وخلص إلى عدم كفاية الأدلة لإثبات وجود صلة مباشرة بالتعرض للأبخرة.
رد شركات الطيران
وأبرز التحقيق أيضًا مزاعم بوجود صلة بين التعرض للهواء السام والاكتئاب والانتحار.
وقال طيار في شركة "جيت بلو" إنه لاحظ زيادة في رائحة "الجوارب المتسخة" بالتزامن مع ارتفاع حالات انتحار بين زملائه.
وأظهرت دراسة اكتوارية أن معدل انتحار الطيارين في الشركة كان ضعف المعدل الوطني المقارن.
ويرى خبراء أن الإصابات العصبية التي تصيب الفصوص الأمامية من الدماغ قد تؤثر في التحكم في الاندفاع والمزاج والإدراك، ما يزيد خطر الاكتئاب وإيذاء النفس.
ورغم إقرار شركات الطيران بحدوث حوادث الأبخرة، فإنها تؤكد أن مستويات الملوثات منخفضة وأن الطائرات تفي بمعايير السلامة.
وتقول شركات التصنيع، بما فيها "بوينغ" و"إيرباص"، إن تصاميم طائراتها حاصلة على موافقات الجهات التنظيمية منذ عقود، وإن هواء المقصورات آمن.
وشددت شركات الطيران على أنها لن تشغّل طائرات تشكل خطرًا صحيًا على الركاب أو الأطقم.
وأكدت "بوينغ" أن السلامة تمثل أولوية قصوى لديها، مشيرة إلى تاريخ طويل من المشاركة في مبادرات تقييم جودة الهواء وتطوير تقنيات تنقيته ووضع المعايير اللازمة.
وأضافت الشركة أن "هواء المقصورات داخل طائرات بوينغ آمن"، مع الإقرار بأنه "لا يوجد أي بيئة داخلية خالية تمامًا من الملوثات".
كما أشارت إلى أن أبحاثًا موسعة أجرتها جهات مستقلة وجامعات وهيئات حكومية أثبتت مرارًا أن مستويات الملوثات على متن الطائرات "منخفضة عمومًا" وأن معايير الصحة والسلامة مستوفاة.














