نضال أنور المجالي يكتب …المائدة الأردنية بين سندان الاحتكار ومطرقة الأسعار: متى تفتح الدولة باب الاستيراد الحقيقي؟
استيراد الغذاء: هل هو خدمة للمواطن أم ترسيخ لاحتكار التجار؟
في كل مائدة أردنية، وفي كل فاتورة مشتريات شهرية، يكمن سؤال اقتصادي وسياسي معقد يلامس جيوبنا وحياتنا اليومية: هل سياسة السماح باستيراد المواد
الغذائية الأساسية تهدف حقاً لخدمة المواطن في منافسة الأسعار وإيجاد البدائل، أم أنها أداة خفية لترسيخ نفوذ فئة معينة من التجار والمستوردين؟
إن مسألة استيراد مواد حيوية كالزيت، والحليب، والسكر، والأرز، هي مسألة أمن غذائي قبل أن تكون مجرد حركة تجارية. وعلى الرغم من أن المنطق الاقتصادي الأبجدي يقول بأن فتح باب الاستيراد يؤدي إلى زيادة المعروض ومن ثم منافسة الأسعار (خدمة للمواطن)، إلا أن الواقع الذي نعيشه في الأسواق غالباً ما يروي قصة مختلفة.
وهم المنافسة وسيطرة الاحتكار
عندما يتم الحديث عن "السماح بالاستيراد"، يجب أن نتساءل: لمن يُسمح؟
غالباً، ما يتم تضييق قائمة المستوردين الفعليين لهذه السلع الأساسية على عدد محدود جداً من الأسماء أو الشركات الكبيرة التي تمتلك القوة المالية واللوجستية للسيطرة على سلاسل التوريد بالكامل. هذا التضييق، سواء كان رسمياً أو بحكم الأمر الواقع الاقتصادي، يؤدي إلى نتيجتين كارثيتين على المواطن:
الاحتكار المقنّع بدلاً من أن يتحقق التنافس السعري الكامل، تتفق هذه الفئة المحدودة من التجار، بشكل صريح أو ضمني، على هامش ربح معين، مما يمنع الأسعار من الانخفاض الحقيقي. فالتاجر لا يخشى منافسة "الزيت" المستورد من تاجر آخر، بل يخشى فقط من ضيق هامش ربحه، وعندما يتفق "الجميع" يختفي القلق.
تدمير البديل المحلي: السماح بالاستيراد غير المنظم أو غير المدروس، يغرق السوق بمنتجات أجنبية رخيصة الثمن (أحياناً على حساب الجودة)، مما يدمر أي محاولة لإنشاء أو دعم صناعة وطنية منتجة لهذه المواد. وبهذا، يصبح أمننا الغذائي مرهوناً بالكامل لتقلبات السوق الدولية ومزاج المستورد.
المخرج: كسر القيود الإدارية وضمان الجودة
في معادلة ارتفاع الأسعار المستمر محلياً، رغم انخفاضها عالمياً في كثير من الأوقات، يتضح أن المصلحة الأساسية تذهب إلى فئة معينة من التجار. ولن يتحقق التوازن الحقيقي والنزول الفعلي للأسعار إلا عبر تبني مسارين متوازيين: تسهيل الاستيراد وضمان الجودة.
يجب العمل بجد على تسهيل الإجراءات أمام المواطنين الذين يرغبون بالاستيراد، شريطة أن يتم ذلك تحت المظلة الرقابية الصارمة لمؤسسة الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس. إن إبعاد التعقيدات البيروقراطية والإدارية عن عملية الاستيراد يفتح الباب أمام صغار التجار والمستثمرين، مما يؤدي إلى كسر حلقات الاحتكار بشكل طبيعي.
إن هذا التسهيل، المقترن بالرقابة الصارمة على الجودة، سيحقق ثلاثة أهداف وطنية في آن واحد:
منافسة حقيقية: زيادة عدد المستوردين يخلق تنافساً حقيقياً يدفع الأسعار نحو الانخفاض.
حماية المستهلك: الالتزام بمعايير الغذاء والدواء يضمن سلامة وصحة السلع المستوردة.
إيجاد البديل: توسيع قاعدة الاستيراد يضمن توفر أنواع متنوعة من السلع، مما يمنح المواطن خيارات أوسع.
دعوة للعمل:
إن واجب الدولة هو حماية المواطن أولاً. وبما أن الأسعار هي أداة ضغط يومية على المواطنين، فإن كسر حواجز الاحتكار، وتفعيل المنافسة الحقيقية، وتسهيل الإجراءات الإدارية للمستوردين الجادين، يجب أن يكونوا على رأس أولويات صناع القرار، لتبقى المائدة الأردنية مصدراً للأمان، لا للقلق.
حفظ الله الأردن والهاشميين.















