الشيخ محمد فنيخر البري ابو رياض يكتب : يقلق الملك
بقلم - الشيخ محمد فنيخر البري "أبو رياض "
ولا يهاب شيئٱ الا الله،فقلقه ليس ضعفٱ ، بل هو نبض المسؤول الذي يحمل هم الوطن في قلبه ،ويسهر على راحة شعبه بعين لا تنام .
يخاف على الاردن كما يخاف الاب على ابنائه ، ويستمد قوته من إيمانه بأن الله وحده هو الحامي المعين، لا تزلزله الأزمات ، ولا ترده العواصف ، لأن في قلبه يقينٱ بأن من توكل على الله فلن يخذله الله.
في كل مرة يخاطب فيها جلالة الملك عبدالله الثاني شعبه، نشعر أن حديثه ليس خطابا سياسيا فحسب، بل هو نبض قائد يعيش هموم الأردنيين، ويفكر بقلقهم، ويحملهم في قلبه كما يحمل الوطن في وجدانه.
خطاب العرش السامي الذي ألقاه جلالته في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، كان وثيقة صادقة تؤكد أن القائد الأقرب إلى شعبه، هو الذي يشعر بما يشعرون به، ويتحدث لغتهم، ويعيش قلقهم، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئا وفي ظهره "أردني".
هذا القلق الذي تحدث عنه الملك ليس ضعفا، بل هو قلق المسؤول الذي لا ينام على راحة إلا حين يطمئن على وطنه وشعبه. هو قلق الأب على أبنائه، وقلق القائد على جنوده، وقلق الملك على إرث الآباء المؤسسين. وحين يقول جلالته "لا يهاب شيئا وفي ظهره أردني"، فهو يختصر معنى الشراكة الحقيقية بين القيادة والشعب، تلك التي صاغتها المواقف لا الكلمات، والتاريخ لا اللحظة.
لقد ركّز جلالته على أن الأردنيين هم سند الوطن وذخره، وهم حملة العزيمة الذين أثبتوا في كل منعطف قدرتهم على الصمود والبناء في قلب الأزمات. وهذه شهادة من قائد يعرف تماما معدن أبناء وطنه، ويؤمن أن الأردن ما كان ليبقى، لولا تلاحم قيادته مع شعبه، ولولا جيشه العربي المصطفوي، سليل الرجال الذين حموا الأرض وصانوا الكرامة.
وفي حديث جلالته عن الجيش، حين قال: "هنا رجال مصنع الحسين، درعا مهيبا"، يعيدنا إلى جوهر المؤسسة العسكرية التي كانت وما زالت رمز الفداء والانتماء، ومدرسة الوطنية الأولى. الجيش العربي ليس فقط قوة تحمي الحدود، بل هو روح الأردن، ورمز وحدته، وهو الذي خرج من رحم هذا الشعب، فبقي أمينا على ترابه، مخلصا لعرشه.
ولم يغفل جلالته الإشارة إلى الشباب الأردني، وفي مقدمتهم سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي وصفه قائلاً: "ابني وابنكم، جند لهذا الوطن". وهي عبارة تختصر رؤية الملك لجيل الشباب، الذين يشكلون عماد المستقبل ووقود النهضة.
وهنا تذكرت كيف نذر المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، ابنه عبدالله الثاني للوطن وخدمته، فكان مثال القائد الصادق الذي حمل الأمانة بكل إخلاص. واليوم، يسير جلالة الملك عبدالله الثاني على ذات النهج، فيُعدّ ولي العهد، ابنه وابن الأردنيين، جندياً مخلصاً في صفوف الوطن، يحمل قيم القيادة والإقدام والالتزام التي نشأ عليها، ليكون امتداداً لجيل الحسينين، ونموذجاً للشباب الأردني الواعي المؤمن ببلده ومستقبله.
فولي العهد نموذج لجندي أردني مخلص، تربى في مدرسة الحسين بن طلال، ونهل من قيم عبدالله الثاني، فكان قريبًا من أبناء وطنه، يعيش معهم، ويشاركهم، ويحمل همّهم في قلبه كما يفعل قائده ووالده.
لقد جمع الملك في خطابه بين البعد الإنساني والسياسي والعسكري والمجتمعي، فكان صوتا للعقل، وضميرا للأمة، وهو يخاطب الأردنيين بلغة الواثق بالله، المطمئن لشعبه، والعازم على مواصلة مسيرة التحديث والإصلاح. حيث دعا جلالته إلى تطوير التعليم والصحة والنقل والقطاع العام، ليس كشعارات، بل كمشاريع حياة تمسّ كل بيت أردني. فالملك لا يريد إصلاحا إداريا فقط، بل نهضة شاملة تحفظ كرامة الإنسان الأردني وتفتح له أبواب الأمل.
أما حديثه عن أهلنا في غزة، فكان امتدادا طبيعيًا لدور الأردن التاريخي في الوقوف إلى جانب الأشقاء، في السراء والضراء. قالها جلالته بوضوح: "سنقف إلى جانبكم بكل إمكانياتنا، وقفة الأخ مع أخيه". هذا هو الأردن الذي لا يساوم على إنسانيته، ولا يتخلى عن دوره العروبي والإنساني، وهو الذي يحمي الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، بشرف ومسؤولية لا تلين.
إننا ونحن نقرأ خطاب جلالة الملك، نلمس في كلماته قيادة تستمد قوتها من الإيمان بالله، ومن الشعب، ومن الجيش. هي قيادة لا تعرف الخوف، لأن يقينها بالله أكبر من كل التحديات، ولأن في ظهرها أردنيا مخلصا، يزرع ويقاتل ويعلّم ويصبر.
وفي النهاية، تبقى رسالة الملك لكل الأردنيين واضحة: "لا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته."
هي ليست عبارة سياسية، بل عهد جديد بين القائد وشعبه؛ عهد الإيمان، والعزيمة، والولاء.
المنصوره - البادية الشمالية الغربية.















