facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

ذكرى صفراوية

ذكرى صفراوية
تسنيم احمد غيث

القبة نيوز-  لا زلت أذكر ذلك اليوم التي تَلونت به سماء بِلادي باللون الأصفر، حيث غَطت الرمال الناعمة أسقف السيارات، والبيوت والمَحال والشوارع، أذكر أيضاً أنها قد ملأت ثيابنا واستوطنت أعيننا، كما أذكر أنه بذاك اليوم أصبح الجميع يتخبطون ببعضهم البعض، هلع وخوف يسيطر أرجاء المكان،

وضجيج زوامير سيارات لاتكاد تهدأ ، ذاك اليوم كان عَتبة لقادمٌ أصعب، يؤسفي قَول ذلك، لكن هذا ما أخبرنا به الأعلام، والصحف وجميع محطات التلفاز، فقد كان بإنتظارنا زائرٌ ڤيروسي، يتلهف لرؤيتنا، أقبل مسرعاً من جميع بقاع الأرض ليقلب موازين أيامنا رأساً على عقب، في بداية الأمر لم يتسنى لنا أن هذا الأمر خطير، وأخدنا نستهزء به ، فلم يخطر ببالنا ولو للحظة أن هذا الزائر سيغير نهج حياتنا، سَيحرمنا من أمور كثيرة نضجنا على وجودها، سَيسرق أحبابنا، فغُلقت المساجد، وسُكرت المدارس وتباعد الناس عن بعضهم البعض، أمور كثيرة تبدلت وتغيرت لم تكن بالحسبان، لكن كان الأمر الأصعب والأشد ألماً على قلوبنا قدوم شهر رمضان في هذه الأجواء الغريبة ، مساجدٌ مغلقة تخلو من مصليها، أجواء لم نمر بها ولم نتخيل حدوثها أبداً، كنا أشد الشوق لقدوم هذا الشهر، نتلهف لصيامه وقيامه، لمجالسة الأقارب والأحباب، لكسب كنوز أجر عظيمة من الرحمن.

حزنت قلوبنا وتألمت كثيراً على ما حَل بنا،
لكن هل علينا أن نستسلم ونرضخ لهذا الڤيروس اللعين؟!
هل نجعله يتحكم بمجريات حياتنا؟!
هل نسمح له بسرقة احبابنا؟!

بالطبع لا، فنفحات الشوق كادت تُغرق سماء قلوبنا،نعم اشتقتنا لأصغر وأدق التفاصيل تلك التي لم تخطر على البال قط، أو لربما لم نَكن نعلم قيمة وجودها، اشتقنا لزحمة الشوارع، وضجيج السيارات والاستيقاظ باكراً للذهاب للدوام، والتأخر على الدوام، ولرؤية الأحباب،اشتقنا لحَياتنا، بتفاصيلها التي لم تَكن تدُهشنا، الآن عَرفنا قيمة اللحظة، وقيمة الفرح، قيمة وجود المحبين، وها نحن ننتظر عودة تلك اللحظات التي كانت ولاتزال تغرق قلوبنا سعادة وفرح.

جمعنا إتحدنا ووقفنا يداً بيد ضد هذا الزائر الغليظ،من كبيرنا لصغيرنا،حكومة وأطباء، أسُرةٌ و شباب ،كبار وصغار، ترابطنا سوياً بيد من حديد لنهزم هذا العدو

بإيماننا بقوتنا وتعاضضنا سوياً سنصنع المستحيل، وستعود حياتنا بعد حين مزدهرة متلألئة، وستشرق بساتين الفرح في حقول قلوبنا، سنستعيد كل مافات وكل مامضى، ستعود الشوارع لإزدحمها،وستعلو أصوات زوامير السيارات بالأفق، سنزور أقاربنا، وسنقبل يد كبيرنا وسنعطف على صغيرنا، سيزيد حس المسؤولية لدينا اتجاه كل شي في حياتنا
سننضج أكثر و سنكون أقوى وسنعود بهمة من حديد.

ليس لي أن أقول الآن سوى، " اللهم أجعل هذا الزائر الڤايروسي يذهب بعيداً،ولا يكرر زيارته أبدا فزيارته،أثقلت كاهلنا وأذاقت قلوبنا أقسى درجات الحزن وأشدها، ربي وأجعل ما أصابنا ذكرى عابرةً في أذهاننا،تعلمنا منها أمور كثيرة، غيرت نهج أساليبنا لما هو أفضل.
 
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير