facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

زنود ورفقاء السّلاح هم الملاذ في كورونا..

زنود ورفقاء السّلاح هم الملاذ في كورونا..
 جميلة عويصي السرحان

القبة نيوز-زنود ابن العشر سنوات يضحّي صباحاً مع شياه أبيه ، قريباً من تلك الحدود إذْ راق بعينه ذاك العشب للشّياه ، فإذا برجل الجيش مُقبلٌ عليه ، وعندما اقترب فإذا به يحمل (صموناً) خبز الجيش وبسكويتاً ، ذاك البسكويت الذي لم ينسى زنود طعمه طوال حياته ، فيقول له الجندي : بُني خذْ هذا هو لك ، وخذْ شياهك وابتعد عن الحد فالمكان خطيرٌ هنا ، فيقول له زنود كما سمع من أبيه ذات مرة : "يا الله تحيي الجيش أبشر " _وهو ينظر إليه بفوتيكه وقايشه وبندقيته وذاك الشعار الذهبي الذي يلمع فوق جبينه كالمجد ، وقلبه يخفق حبّاً وأمانيّ بأن يصبح مثله _
ثم يردف قوله :" حنّا كلنا فدو للجيش ولابو حسين " فحيّاه الجندي وانطلق.

أمسك زنود برَسن دابته ، ودرّهش لأغنامه وعيونه تناظر سرية الجيش تلك ، تلك الكنتنتال وتلك اللاند روفر وتلك الدبابة المجنزرة وذاك الرشاش من فوقها ، وقلبه ينبض عشقاً للجندية والعسكرية ، فيعود عند المساء إلى (المراح) ويدق وتد دابته ، ويُنزل (وِثارتها) من فوق ظهرها فيضعها جانباً ، وقد أقبل عليه أبيه الذي كان مشغولاً بإحضار الأعلاف يحييه ويقول له :"عفيه عفيه ولدي النشمي عفيه الأسد ".

فيأخذ زنود ويقصّ على أبيه ما شاهد في المرعى عند الحدود من الجنود الأشاوس الأقوياء كرماحٍ هندية وسيوفٍ بغدادية ، وهو يقول لأبيه :"يا ابوي ودي بدلة جيش للعيد مثلهم " ، فيربت أبوه على كتفه ويقول له: أبشر يا ذيك الساعة وإنتَ لابس عسكري ".
_حتى أهازيجنا الأردنية المنذورة لجيشنا العربي ترددها :"تخسى يا كوبان ما أنت ولف لي..
ولفي شاري الموت ولابس عسكري.. ".

يكبرُ زنود ويدخل في صفوف أفراد مؤته ، فتحتضنه ورفقائه كأمّهم ، فعلّمتهم عشق الأرض لا عشق النساء ، وعلّمتهم كيف يذودون عن حمى الوطن ، وعلّمتهم القوة والشدّة والصلابة ، فيبدون كسيوفٍ فولاذية صقلتها أنامل الصنّاع الدمشقيين المهرَه ، وعلّمتهم الرجولة وحبّ الأردنيين وكيف يحمونهم من كل الأخطار ، بأفعالٍ لا بأقوال.
فيتمثلون الحروف والكلمات في
" يا جيشنا يا عربي يا درع كل العربِ..
لكَ انتسبنا أكرم به من نسبِ..
تعيشُ..تعيشُ..تعيشُ.. وتحيا عربي.. ".

وما أن أصبح زنود ورفقائه جنوداً في الجيش العربي ، حتى عرفوا فيه سروة الصبح وعرفهم ندى الصباح ، وعرفتهم الصحراء بشمسها وحرّها ، وعرفهم الشتاء بلسعة برده ، وعرفهم شيح وقيصوم الأرض ودحنونها ونوّارها ، وعرفتهم طرق القرى بسناسلها وحجارتها وتينها وزيتونها وينابيع وديانها ، وعرفتهم جبال البلقاء وسهول إربد ودحنون الأغوار وتغاريد طيور نهر الأردن ، وعرفتهم أسوار القدس وتلال اللطرون وباب الواد والكرامة والجولان ، فساروا إلى كلّ بلاد العالم ينشرون السّلم ، همّهم الأول حياة البشرية بأمنٍ وسلامٍ ومحبة.

وما أن نادى الوطن بقانون الدفاع ونزول الجيش لحماية الأهل من حرب كورونا ، حتى هبّ زنود ورفقاء السلاح معه مُلبين النداء ، فشدّوا وسطهم وربطوا خوذهم فوق رؤوسهم ، وحملوا أسلحتهم وذخائرهم ، وأخذوا أماكنهم فعهد الكلام هنا قد انقضى ، فساروا إلى شوارع اربد والسلط والكرك الأبيّة ، وكل بقعة في الأردن الطيب ، خوفاً على الأهل وحمايةً لهم من خطر الكورونا ، الذي علِموا بأنه عدوٌ لا يرحم ، وإن بقوا مكتوفي الأيدي سيودي بأرواح الكثيرين من أهلهم وأحبائهم.

فهاهت لهم حناجر الأمهات وزغردت لهم النشميات الأردنيات واستقبلهم الأطفال بالورود ، حبّاً وعشقاً للجندية ، وثقةً كبيرة بهم وبصنيعهم ، فتجدهم يرددون:
" حنّا اللي نشيل الهم لا كثرت همومها..
وحنّا اللي نمطر دم لا شحّت غيومها..
وحنّا اللي نغزل لها من رموشنا هدومها..
والقوم اللي تعتدي ع الأردن نطقها ع خشومها.. ".

حتى يُطلُ علينا ابن الكرك الأبيّة بملامحة الجدّيّة التي لسان حاله تقول : أنّ الموقف خطير وجدّي فلا سبيل فيه للمزاح ، كلماته دقيقة ومحسوبة كما يحسب رصاصاته في المعركة ، هادفة لا تُخطئ ، كفوهة بندقيته التي لا مجال فيها إلا أن تصيب العدو ، لتحمي الأرض والعِرض ، فلا يأبه بالتنميق الإعلامي ، إذْ علّمته الجندية والعسكرية بأن لا مجال للثرثرة ، فالعمل أهم وأجلّ وأرفع.

هذه الأزمة التي رأينا فيها الجندي يُمسك السلاح بيد وبالأخرى الورد لمحجوري كورونا ، إذْ جعلوا من صدورهم كمامات للوطن لتقيه من شرور هذه العدوى ، فعلّمونا بأن الجيش ليس ملامحاً قاسية وبنادقَ ورصاصٍ، بل هو وطنٌ ، بل هو أُمٌ نشعر بوجوده بالأمان.

إنّه الجيش العربيّ الذي استطاع أن يتربع على قمة التميّز والاحتراف في مسيرته الحافلة بالإنجازات منذ نشأته
وحتى يومنا ، فهم رجالٌ هاجسهم الأول والأخير دوماً في حِلّهم وترحالهم أنهم رجالٌ أحرار ينثرون أرواحهم دحنوناً ، مرتوياً فداءًا للوطن والكرامة ، فلا يرغبون أبداً ولو للحظة بأن يجف الصهيل في رئة خيولهم ، أو أن يخمد صليل سيوفهم في أرض المعركة ، أو أن تبرد فوهات بنادقهم.

وهم رجالٌ يجسدون براءة الأردن الأصيلة الطيبة ، وبساطة وشهامة الفلاحين الذين يبذلون الغالي والنفيس دفاعاً عن أرضهم ، وهو الحامي لهذه الأرض وأهلها بنفسٍ عروبي استنشقه منذ نشأته واستلهمه من قائده الأعلى الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه الذي يحمل مبادئ ثورة الأجداد ( مبادئ الثورة العربية الكبرى).

وإنّه وبكل ما يبذل في هذه الأزمة يبرز لنا في قمّة التميّز والاحتراف في إدارة هذه الأزمة ، مما جعل الأردنيون يفتخرون بانجازاتهم العسكرية والإنسانية المستمرة ، هذه الأزمة التي لم يسبق أن شهد لها العالم مثيلاً ، جعلتنا نلوذ بعد اللّه بجيشنا ليُمسك الجبهة الداخلية بكل قوةٍ واقتدار.

فهؤلاء الجنود جنودنا البواسل في ميادين المواجهة مع هذا العدو الصامت ، جيشاً عربيّاً مصطفوياً ، وأطباء نذروا حياتهم للوطن ، إذ يواجهون العدو الصامت وجهًا لوجه ، ولا يعلمون متى يتسلل إليهم.
فلا فرق بين الجندي العسكري في ميدان الحرب القتالية ، وبين الطبيب والممرض في ميدان الحرب الجرثومية ، فجميعهم يواجهون عدوًا قاتلاً.

ولا ننسى أهل هذه الأرض الطيبة من الشعب ، فقد إلتفوا حول الجيش وحول قيادته الهاشمية ليقدموا أغلى ما تملك نفوسهم من الأرواح ، وما تملك أيديهم حتى حصالاتهم الصغيرة أفرغوها ليقدموها للوطن ليكسبوا الرهان فلسان حالهم يقول نُفرّط بكل شيء إلا أننا نشتري وطننا حرّاً أبيّاً مباركاً.

فهذه الأزمة الكورونية وتدخل الجيش في إدارتها إلى جانب الكوادر الطبية ، تسير على نحو يبعث على الاعتزاز بنفس كلّ أردني منتمٍ لهذا الوطن ، وهذه الدروس التي يعطينا إياه جيشنا العربي ، والجبهة الشعبية لطالما اعتدنا عليها عند كل خطب أو نازلة ، فهي الدولة التي حملت المشروع الهاشمي الهادف لصون الإنسان وبنائه.

فقد أظهر الشعب الأردني وعيًا راقيًا في التعامل مع الأزمة والتفهّم ، بل ودعمَ قرارات الحكومه مهما كانت صعبةً عليه ، كلّه بفضل هذه القوات الباسلة التي تستبشر بالأردنيين دومًا الخير كلّه.

وقد اثبت الأردن في تعامله مع هذه الأزمة ورغم شح إمكانياته أنّه قادر بقيادته الهاشمية وشعبه الطيب ، وأجهزته الحكومية والعسكرية والأمنية ، إدارة الأزمة وعبور هذه المرحلة بحكمة واقتدار ، مما يجعل الأردن مثلما كان على الدوام علامةً فارقة في تاريخ المنطقه ككل.

إذْ يبقى زنود ورفقائه في مواقعهم لا يعرفون للكلل والملل سبيلاً ، وإنّ عرِق جبينهم وإن تعبت أقدامهم ، وإن اشتاقت قلوبهم إلى أهلهم ، صامدون إلى أن ينجو بالأهل من هذه الحرب وهذا العدو الذي لا يرونه بالعين المجرّدة ، وإلاّ لقّنوه من هم جنود الجيش العربي ، فهم الجنود العنيدون مثل صخرةٍ كبيرةٍ تستقرُ في تلال عروس الشمال إربد الشماء.

وكما قال جلالة مليكنا المفدى متفائلاً :"قريباً ستقام الصلوات في المساجد والكنائس " و " شدة وبتزول "، فيردّ زنود ورفقائه : "نعم سيدي صاحب الجلالة الهاشمية شدة وبتزول بعون الله".

فإننا ومع كورونا وفي كل الأوقات والظروف ننحني إجلالاً لكلّ فرد في قواتنا الباسلة المسلحة ونحييهم ، فألفُ ألفُ ألفُ تحيةٍ وسلام.

حفظ اللّه الأردن قائدًا وشعبًا وجيشًا وحكومةً وأرضًا من هذا الوباء والبشرية جمعاء.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير