facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

المساعدة القانونية وسيادة القانون في ظل القانون الجنائي

المساعدة القانونية وسيادة القانون في ظل القانون الجنائي

إيناس الفقهاء

في دولة سيادة القانون ، والتي تقضي بخضوع الحكام والمحكومين للقانون ، لا بد من تجسيد مفهوم المساعدة القانونية بين أفراد تلك الدولة ، وذلك انطلاقًا من قول الله عز وجل : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) آية ٢ :سورة المائدة

وإعمالا للورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم ، والتي جاءت تحمل عنوان (سيادة القانون أساس الدولة المدنية ) ، إذ قال جلالته في احدى لقاءاته ( إنني قدمت أكثر من ورقة نقاشية لشعبي ولكنني لا أرى أن هناك تطبيقًا كافيًا من قبل المؤسسات المختلفة ، فلا بد أن تنعكس هذه الأفكار على أرض الواقع من خلال الفعل وليس القول فقط ...)
ولترجمة أفكار جلالته لا بد من تجسيد المساعدة القانونية من خلال إطلاق سراحها من إطار تقليدي مكرس بنصوص قانونية إلى ترجمتها على ارض الواقع ، وإكسائها قوة فعلية.
فالمساعدة القانونية كما عرفتها المادة الثانية من نظام المساعدة القانونية رقم ١١٩ لستة ٢٠١٨ هي: " التمثيل القانوني أمام الدوائر النيابية العامة والمحاكم النظامية ومحكمة الجنايات الكبرى وفقًا لأحكام التشريع النافذ."
وأرى أنها بمثابة خدمة قانونية تقدم إلى ذوي الدخل المنخفض ، ولها عدة صور في الدول الأخرى أبرزها: التمثيل القانوني أمام المحاكم وتقديم الاستشارات القانونية، وهي حق مصون، مكرس ومحصن ضمن المواثيق والاتفاقات والمعاهدات الدولية ، وفي الأردن تقدم لفئات معينة وفق شروط محددة بالقانون، فنستنتج أنه مصطلح بالرغم من أنه قديم النشاة إلا أنه عاود الظهور حديثًا.
وبالرغم من اعتقاد بعضهم أن المساعدة القانونية مفهوم حديث النشاة، إلا أنه مفهوم قديم يمتد أصله إلى القرن التاسع عشر، غير أنه كان يحمل مصطلحات أخرى، ولكن بالرغم من ذلك فإن جميع المصطلحات التي سادت على مر العصور كانت جميعها مبطنة بالمساعدة القانونية.
أما فيما يتعلق بالأساس القانوني للمساعدة القانونية فنجد أنه وفقًا لاجتهاد محكمة التمييز فإنّ المعاهدات والاتفاقات التي صادقت عليها المملكة الأردنية الهاشمية والتي تخرج عن نطاق الفقرة الثانية للمادة الثالثة والثلاثين من الدستور الأردني تكون نافذة بمجرد ابرامها ، دون الحاجة لموافقة مجلس الأمة عليها ومرورها بذات مراحل ولادة القانون، وتسمو على القوانين المحلية.
ولعل من أبرزها المعاهدات والاتفاقات التي أشارت ضمنًا للمساعدة القانونية: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة ١٩٦٦ والتي صادق الأردن عليها في عام ٢٠٠٦ وباستقراء نصوصه نجد أنه نظّم أحكام التقاضي ونص على وجوب تطبيق المحاكمة العادلة، ونجد هنا إشارة ضمنية إلى المساعدة القانونية، إذ إنه لا تكون المحاكمة عادلة إلا بتوافر ضماناتها ومنها حق الدفاع ، ولا يجوز أن يسلب أحد الأطراف هذا الحق الدولي لكونه لا يملك المال، فنجد أن المادة الحادية عشرة من ذات العهد نصت على عدم جواز حبس المدين المعسر، فمن باب أولى لا يجوز حبس الشخص دون أن يدافع عن نفسه بسبب عجزه عن توفير المال للتقاضي أو لدفع أتعاب المحاماة.
وأما القانون المقارن فمنه من نظم المساعدة القانونية ضمنًا، والآخر من نظمه صراحةً كالآتي:
أولاً القانون المصري:
لم يصدر تشريع في مصر مستقل ينظم المساعدة القانونية؛ فجاءت النصوص متناثرة بين أكثر من قانون، نجد منها:
قانون الرسوم القضائية المصري رقم ٩٠ والذي نظم أحكام المساعدة القانونية بطريق غير مباشر ما بين المادة الثالثة والعشرين والمادة الثامنة والعشرين، إذ خفف الرسوم القضائية في بعض الحالات وأعفى البعض الآخر منها، وبالرغم من ذلك وجد المشرع المصري أنه ما زالت هناك فئات تعزف عن المثول واللجوء للقضاء، وكان الدافع هو عدم مقدرة تلك الفئات على دفع أتعاب المحاميين، وباستقراء نصوص قانون المحاماة المصري وجدت أن المادة الرابعة والستين منه أوجبت على المحاميين تقديم المساعدة القانونية لذوي الدخل المنخفض، ولا بد من الإشارة أيضًا أن المشرع المصري قام باعفاء العمال من الرسوم القضائية وذلك لكونهم فئة ضعيفة أغلبها غير مقتدر ماديًا.
وأما في الصين، فعند بحثي في الأنظمة القانونية وجدت أن النظام القضائي الصيني، وتحديدًا الفصل السادس منه، المادة ٣/٢/٣٣ حددت واجبات المحامي والتي أهمها واجب تقديم المساعدة القانونية.
أما في المملكة الأردنية الهاشمية: بقي الأساس القانوني للمساعدة القانونية متناثرًا في عدة نصوص قانونية متباينة منها قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ٩ لسنة ١٩٦١، وقانون نقابة المحاميين النظاميين وتعديلاته، واستمر الوضع في الأردن بهذا الاتجاه إلى أن تم إصدار تعليمات المساعدة القانونية رقم ١ لسنة ٢٠١٦، والذي بدوره تضمن سبعة مواد تنظم المساعدة القانونية بشكل عام. ومن ثم صدر نظام المساعدة القانونية رقم ١١٩ لسنة ٢٠١٨، ويتكون من إحدى عشرة مادة والذي يمثل مرتبة أعلى من التعليمات، إذ قام بتنظيم المساعدة القانونية بشكل عام، ولكنه بذات الوقت احتوى تفصيلات أكثر من التعليمات التي صدرت بهذا الشأن؛ إذ حدد الأولويات التي تأخذ بعين الاعتبار عند تقديم المساعدة القانونية، وحدد النطاق الموضوعي والنطاق الشخصي لها، فالنطاق الموضوعي يتمثل حصرًا بالجرائم من نوع جناية والتي يعاقب عليها بحدها الأدنى بعشر سنوات، أما النطاق الشخصي فامتد ليشمل: الأحداث ، المسنون، النساء، الأشخاص ذو الإعاقة، وأي فئة أخرى يقررها الوزير، وباستقراء النصوص القانونية التي نظمت المساعدة القانونية وهي: ( المادة الثالثة والستون مكررة، والمادة مائتين وثمانية من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والفقرة السابعة من المادة المائة من قانون نقابة المحاميين النظاميين، نظام المساعدة القانونية بجميع مواده ، كذلك أيضًا تعليمات المساعدة القانونية) فنجد من خلال هذه القوانين أن شروط التقدم للمساعدة القانونية:
١- ألا يتجاوز الدخل الإجمالي الشهري لأسرة طالب المساعدة القانونية (٤٠٠) دينار.
٢- ألا يملك طالب المساعدة القانونية أية أموال غير منقولة باستثناء بيت السكن أو أموالًا منقولة باستثناء الدخل الشهري السابق.
٣- أن يكون نوع الجريمة جناية يعاقب عليها القانون بحدها الأدنى عشر سنوات.
٤- ألا تكون له أسبقية جرمية بحكم قطعي بجناية أو جنحة.
ولعل أهم ما ينبغي تسليط الضوء عليه، هو المساعدة القانونية في ظل سيادة القانون، والتي نادى بها جلالة الملك عبدالله الثاني -حفظه الله ورعاه- في الورقة النقاشية السادسة، ونجد أن حق الأفراد في محاكمة عادلة، هو حق مكرس في الدستور، وفي المعاهدات والمواثيق الدولية، ويتم ترجمة هذا المفهوم من خلال توفير ضمانات المحاكمة العادلة، التي من أبرزها حق الدفاع، والأردن ينتهج سيادة القانون، ويكرسه ضمن قوانينه، إذ يلزم بخضوع الحكام والمحكومين للقانون على حدا سواء دون تمييز بينهم، فبالتالي من باب أولى ان تتم المساواة بين أطراف النزاع في تعيين محامٍ، فلا يتصور أن يسلب أحدهم حقه في تعيين محامٍ يتولى أمر الدفاع عنه، ويمنح هذا الحق للآخر، بالتالي سيادة القانون لا يمكن أن تكون مجرد أفكار على ورق، وإنما يجب أن تترجم إلى أرض الواقع في شتى مجالات الحياة، ولعل أبرزها الجهاز القضائي.
ومما تقدم أعلاه، واستنادًا إلى قول سيد الخلق سيدنا محمد -صلى الله عليه واله وسلم-: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، فلا بد من ترجمة المساعدة القانونية إلى أرض الواقع، إذ إنه يزج آلاف سنويًا في السجون، بعضهم ظُلِم مرةً فبات يظلم حتى أصبح من أرباب السوابق، ومنهم أحداث، نساء، ومسنون، وبعضهم لا حول له ولا قوة؛ فاختلاط احدهم بأرباب السوابق يجعل منه إنسان منحط أخلاقيًا، وقد يولد بداخله نوازع اجرامية ودوافع انتقام خاصةً فيما لو حبس ظلمًا، أو نتيجة خطأ غير مقصود أو أي دافع لا ينم عن نية جرمية لديه، ومن هنا اعتقد أنه حريّ بالمشرع أن يقنن المساعدة القانونية بقانون مستقل، ذات قوة أكبر، وأن يوسع من نطاقه، ليشمل شتى الجرائم على اختلاف العقوبة.
وبالتالي يجب أن يتم تشجيع المحاميين على تقديم المساعدة القانونية وذلك من خلال منحهم بعض الامتيازات حال تقديم المساعدة، كخصم نسبة من رسوم النقابة، أو ما شابه
ويجب أيضًا تعديل النظام القانوني للمساعدة ليصبح يشكل فئات اكثر، إذ يعاب على النظام الحالي للمساعدة القانونية، أنه اقتصر على نوع محدد من الجرائم ألا وهو الجنايات التي يعاقب عليها بحدها الأدنى عشرة سنوات، وكان الأجدر على المشرع ان يشمل على الأقل الجنح، إذ إنه أمرٌ غير منطقي أن أقدّم مساعدة لشخص ارتكب جناية قتل قصد والتي نظمتها المادة ٣٢٦ مو قانون العقوبات كالتالي( من قتل إنساناً قصداً ، عوقب بالأشغال عشرين سنة.) فهنا نجد ان هذه الجريمة تشمل المساعدة القانونية، وأنه يخالف المنطق ان نمنح شخص ازهق روح اخر قصدًا مساعدة قانونية، إذ قال الله -عز وجل-: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة:32} ، بينما في حال كانت فتاة جامعية في مقتبل العمر، تقود مركبتها وارتكبت حادث دهس غير مقصود، تعاقب بقتل غير مقصود من ٦ أشهر وحتى ثلاث سنوات، لا يشملها المساعدة القانونية.
كما انه يجب إعلام الناس وتثقيفهم اكثر حول هذا الموضوع، اذ انه وأثناء بحثي وجدت فئة كبيرة لا تعلم بوجود المساعدة القانونية، ويمكن ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة وما شابه.
وعلى الحكومة أيضًا أن توسع من نطاق عمل مديرية المساعدة القانونية في وزارة العدل، وان تجعل لها شخصية اعتبارية مستقلة تتمتع بذمة مالية مستقلة، فتؤسس مراكز او وحدات متفرعة لها في شتى محافظات المملكة، وبالنسبة للإيرادات المخصصة لهذه الخدمة والتي من بينها ٣٪؜ من رسوم الدعاوى، يجب أن تزيدها لتصل إلى نسبة أعلى فتستطيع أن توسع من نطاق شمولها ليشمل جرائم أكثر.
وأيضًا لا بد من تسليط الضوء على نقطة جوهرية اقترحتها إحدى المراكز المعنية بالمساعدة القانونية وهي: "أن النظام لم يمنح الحق للمتهم برد المحامي أو تنحيته" بالتالي يجب دراسة هذا الموضوع
لا بد من التأكيد على أن الهدف الأول والأخير هو السمو بالإنسان، وصون كرامته والحفاظ على أمن المجتمع و وحدته وتكافله، ولا يكون هذا إلا من خلال وجود قضاء عادل ونزيه، تترجم صورته بتوفير ضمانات دفاع يتمتع بها طرفا النزاع على قدم المساواة، فبالتالي تقديم المساعدة القانونية هي تجسيد لمفهوم سيادة القانون والتأكيد عليه.
ولا بد من التنويه إلى ضرورة تقديم الخدمة لمن يستحقها حقًا، وأن يكون فعليا غير مقتدر ماليًا، حتى لا يتم المساس بمهنة المحاماة، وجعل أعضائها يعدلون عنها، ولا يتصور أن تتحقق هذه الموازنة إلا بوجود هيئة حكومية تعنى بشكل أكبر بتنظيم خدمة المساعدة القانونية، وأيضًا ضمن ضوابط حتى لا تشجع الناس على ارتكاب الجرائم، متكلين على محاميين يساعدونهم.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير