ثروت التلهوني
إن الحديث عن رجالات الأردن العظام يؤسس للحفاظ على جانب مهم
من الذاكرة الوطنية حيث يقدم صورة مشرقة لكوكبة من رجالات الأردن الأوفياء الذين
أخذوا على أنفسهم عهداً أن يستمروا برحلة الإنجاز والبناء.
حيث عمدوا إلى إعلاء الصروح التي أرسى دعائمها السلف من قبلهم
وإن كنا اليوم نقرأ سيرة حياة هذه الكوكبة من رجال الأردن العظماء فإنما نقرأ سيرة
مجموعة من الكواكب التي أضاءت سماء الأردن وزرعوا للمجد بذوراً على امتداد تراب
هذا الوطن الغالي وفي أنحائه المختلفة ، من شتى أصولهم ومنابتهم.
ومن أحد الرجال الذين ولدوا كباراً وظلوا وكبروا حتى أصبحوا
فوق النسيان كونهم قد تركوا بصمات واضحة في كل درب يسلكونه وعلى كل أرض يمشون
فوقها فبقوا موجودين في الذهن ، كالسياسي الكبير ثروت التلهوني.
ولد ثروت التلهوني في مدينة معان عام 1922 ، تلقى تعليمه
الإبتدائي والإعدادي في مدارس عمان العاصمة وتابع تعليمه الثانوي في مدرسة السلط
الثانوية ، حيث حصل على شهادة الدراسة الثانوية العامة منها وذلك عام 1941 ، بعد
ذلك عمل موظفاً حيث لم تسمح له ظروفه المادية الصعبة آنذاك الإلتحاق بالجامعة
مباشرة أي بعد إكمال الثانوية العامة.
ثم بدأ بدراسة الصيدلة في الجامعة السورية بعدها عاد إلى وطنه
الأردن عام 1946 حاملاً درجة البكالوريوس في الصيدلة ويسجل للمرحوم ثروت التلهوني
أنه صاحب أول صيدلية في مدينة إربد ثم نقلها إلى مدينة عمان وذلك عام 1953 وكانت
ثاني صيدلية في العاصمة عمان وزاول مهنة الصيدلة حتى عام 1958 حيث انشغل بالعمل
السياسي والعمل العام.
اصبح الصيدلاني ثروت التلهوني عضواً في مجلس النواب الخامس
نائباً عن مدينة معان في الفترة ما بين عامي 1956 - 1961 وقد كان أحد النواب
الثلاثة عشر الذين تم اختيارهم لتمثيل الأردن في مجلس الاتحاد العربي ببغداد وتم
اختياره عضواً أيضاً في مجلس النواب السادس ، خلال الفترة 1961 - 1962 ، وقد تم حل
مجلس النواب آنذاك بسبب عدم منحه الثقة للحكومة آنذاك ، بعدها شغل منصب مدير عام
ونائب رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج (الشركة الأردنية الصناعية التجارية الزراعية)
وفي العام الذي يليه عمل مديراً لشركة الإنماء الصناعي.
بعد ذلك تسلم أول وظيفة حكومية أعادته إلى المهنة الأولى التي
مارسها حيث تم تعيينه مديراً للصيدلة واللوازم في وزارة الصحة من 1963 وحتى 1965 ،
ليتم تعيينه بعدها مديراً عاماً لدائرة الإحصاءات العامة من 1965 وحتى 1967 ليصبح
بعد ذلك مديراً عاماً لدائرة الجوازات والأحوال المدينة من 1967 وحتى ,1969 بعدها
بعام شغل منصب محافظ في وزارة الداخلية ومحافظاً للعاصمة عمان حتى عام 1973 هذا
وقد صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه وزيراً للداخلية في حكومة زيد الرفاعي
من 23 ـ 11 ـ 1974 ولغاية 8 - 2 - 1976 وصدرت أيضاً إرادة ملكية سامية بتعيينه
وزيراً للداخلية مرة أخرى من 8 - 2 - 1976 ولغاية 13 - 7 - ,1976 ثم شغل منصب سفير
المملكة الأردنية الهاشمية لدى المملكة العربية السعودية عام 1978 ولغاية 1981 ،
بعدها صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان الثالث عشر ، و
يحمل المرحوم ثروت التلهوني العديد من الأوسمة من الدول الشقيقة والصديقة.
لقد عاش حياته مثالاً للتواضع والصدق والإخلاص والتفاني في
خدمة وطنه و كان جريئاً وشفافاً لا يخشى في الحق لومة لائم حيث كان المرحوم ثروت
التلهوني يتخفى على هيئة أحد المراجعين في كل الدوائر التي قادها حتى يرى بنفسه
مواقع الخلل.
كان أباً مثالياً حانياً على أسرته وقد تحدث الأستاذ مأمون
ثروت التلهوني المدير العام للمكتبة الوطنية عن شخصية والده قائلاً: أحاول
الاقتداء بوالدي قدر الإمكان أجله واحترمه إلى أبعد الدرجات فهو مثال وقدوة لي على
الصعيد الخاص والشخصي ، وأتمنى من الله عز وجل أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته ، وأنا
مستمر على نهجه ومتقيد بنصائحه وأحذو حذوه فوالدي كان على درجة عالية من الوعي
والإدراك وهو صاحب أخلاق سامية ورفيعة عُرف بأسلوبه الرائع في التعامل مع الآخرين
ونزاهته المطلقة وأنا أبذل قصارى جهدي لأقتدي بنهجه في الحياة.
ولا يسعني إلا أن انحني لهذا الشخص العظيم الذي أدبني فأحسن
تأديبي ورباني فأحسن تربيتي وعلمني فأحسن تعليمي. أما على الصعيد الوطني فقد كان
والدي من المخلصين للهاشميين حيث لم يتردد في يوم من الأيام من السير ورائهم ،
وجندياً مخلصاً لآل هاشم في عهد المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه.
كان واعياً لوجود الهاشميين في المنطقة مدركاً أن قيام الثورة
العربية الكبرى هي الأساس لقيام الكيان العربي فلولا الهاشميون لما كانت هذه
المنطقة بهذا الوجود المميز ونحن أولاده قد ورثنا عنه هذا الحب الذي يصل إلى مرتبه
الولاء والإخلاص المطلق للهاشميين وللملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك المملكة
الأردنية الهاشمية ، وبالنسبة لي فأنا اعتبر الملك عبد الله الثاني هو قدوتي على
الصعيد العام والوطني وأحاول جاهداً في عملي السير على خطواته السريعة التي تهدف
إلى النهوض بالوطن في كافة مناحي الحياة وعلى الخارطة الدولية والعربية ، حيث ثبّت
موقف الأردن هذا البلد الصغير على الخارطة ، الكبير برجالاته الأوفياء المخلصين
واستطاع جلب احترام الدول وتقديرها.
وأضاف مأمون ثروت التلهوني قائلاً: تسلم والدي مناصب عدة في
أوقات حرجة وكانت تتطلب منتهى الرجولة والأمانة والجرأة عدا عن ذلك فقد ساهم في
تأسيس العديد من المؤسسات وقيامها. فالمناصب التي شغلها تتطلب وجود شخص مثل والدي
يكون على قدر المسؤولية الموكولة له.
وأضاف قائلاً: الملك عبد الله الثاني قدوتنا في الحياة
ونَعًدَهُ بأن نسير على خطى الوالد الذي تفانى في خدمة وطنه والولاء له فنحن جندك
الأوفياء ونعاهدك على الولاء المطلق للعرش الهاشمي كما كنا وسنبقى.
"إن خير من
أستأجرت القوي الأمين" لقد كان المرحوم ثروت التلهوني مثالاً للسياسي البارع
الناجح والمواطن الصالح الذي يبني وطنه بيده ، ويخدم أمته بحبات عرقه وينشر الخير
في كل مكان بكل صراحة مخلصه وجهد متواصل.
وقد توفي أبو خلدون عام 1985 في عمان عن عمر يناهز الثالثة
والستين ودفن في مقبرة العائلة بأم الحيران. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.