محمد عودة القرعان
غادرنا المرحوم في اليوم الثالث من شهر شباط من عام 2003 في يوم ماطر كما يحب لإيمانه بقيمة المياه بالنسبة للحياة ولم تمنع غزارة الامطار احبته وكل من عرفه ليكونوا في وداع ” أمين الأمة ” في عصره وهو اللقب الذي اطلقه عليه الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه لما تميز به من أمانة ونزاهة في حياته.
وأبو عودة من مواليد مدينة
الطفيلة في العام 1916 عام الثورة العربية الكبرى وكان والده رحمه الله ( عودة
القرعان ) من شخصيات الطفيلة المعروفة والذي عمل في العهد العثماني معلما منفردا
في قرية صنفحة الى ان صدر قرار بنقله من الطفيلة الى ( اليمن ) لكنه رفض فتم انهاء
عمله وتحول فيما بعد للتجارة.
ترعرع رحمه الله ونشأ في كنف
والده المحب للعلم ودرس الابتدائية في الطفيلة التي كانت التدريس فيها حتى الصف
السادس وواصل دراسته الثانوية في مدرسة السلط ما مكنه من التعرف على عدد كبير من
الشباب الاردني من مختلف مناطق المملكة والذين اصبحوا رجالات الوطن الكبار وانهى
دراسته الثانوية في العام 1934 وهنا ُعرف بـ ( ابو عودة ) نسبة لوالده رحمهما الله.
واصل دراسته في جامعة دمشق
حيث درس القانون وتخرج في العام 1937 وحين عاد الى وطنه أقام في عمان وبدأ حياته
العملية في مجال المحاماة ثم عين في وزارة المالية حتى العام 1940 لُينقل الى سلك
القضاء حتى عام 1946 لكنه لم يستمر طويلا اذا تم تعينه في دائرة ضريبة الدخل واصبح
فيما بعد رئيسا لقسم الضرائب ليبدأ بالتدرج في المهام والمناصب والتي بداها بمنصب
وكيل الجمارك التابعة لوزارة المالية منذ عام 1951 وحتى عام 1962
وخلال عمله وكيلا لدائرة
الجمارك ( تعادل حاليا منصب مدير عام الجمارك ) زادت معرفة الناس بشخصية ابو عودة
الذي تميز بالنزاهة والامانة والانسانية.
بعد ذلك تم تعينه مديرا عاما
لمؤسسة الاقراض الزراعي وهو المنصب الذي مكنه من خدمة المزراعين حيث كان يعشق
الزراعة ويشعر مع المزارعين ويتبنى قضاياهم ليسعى بكل السبل الى حلها والتخفيف
عنهم واستمر مديرا عاما للمؤسسة لمدة ثمانية عشر عاما حيث تم تعينه عضوا في مجلس
الاعيان في العام 1980 لعدة دورات وتميز اثناء عضويته بتوجيه الانتقاد للحكومة حيث
يلزم ذلك مقدما مقترحات للتصويب.
وفي الشأن السياسي كان له
نشاط سياسي وطني مع مجموعة من الشخصيات الاردنية امثال المرحومين حمد الفرحان
ونجيب ارشيدات والشيخ ابراهيم القطان وقد شارك في تاسيس تنظيم سياسي باسم الشباب
القومي العربي وانشاء المنتدى العربي واشترك في وقت لاحق مع المرحومين سليمان
النابلسي وعلي مسمار وصلاح طوقان في تأسيس الحزب العربي الاردني وكان من اشد
المعارضين للمعاهدة الاردنية البريطانية عام 1946 ومن اصدقائه المقربين جدا الشهيد
وصفي التل الذي شكل احدى وزاراته في منزل ابو عودة وقد ُعرض عليه اكثر من مرة
حقيبة وزارية لكنه كان يرفض ان يصبح وزيرا.
تم تكريمه رحمه الله بمنحه
وسام النهضة من الدرجة الثانية ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى وقد رحل الى
الرفيق الاعلى في اليوم الثالث عشر من شهر شباط من عام 2003 تاركا ارثاَ خالدا من
المجد والسمعة الطيبة والنزاهة والامانة قل نظيرها.