كاتبة تونسية : هل تدرك خيرأمة أخرجت للناس دروس كاتدرائية نوتردام؟
وماذا فعلنا لمواجهة حريق الاقصى الاخير
القبة نيوز-خذوا دروس التضامن عن اوروبا ..هذا ما يتعين على من يتبجحون بأنهم خير امة اخرجت للناس ادراكه بعد حريق كنيسة نوتردام قبل يومين و لكن أيضا بعد كل مصيبة أوأزمة تواجهها الدول الاوروبية و هي التي بدون أنها أدركت فلسفة و معنى تداعي كل الجسد اذا أصيب منه عضو من الاعضاء ..
اعادة ترميم وبناء ما احترق من كاتدرائية نوتردام بالعاصمة الفرنسية باريس سيتم والمسألة مسألة وقت لا غيرلسبب بسيط وهوأن ثقافة التضامن في الغرب تنبع من ارادة حقيقية غير مزيفة ترفض الموت والخراب والدمار والاستسلام فكيف عندما يتعلق الامر بمعلم في حجم كنيسة نوتردام القلب النابض للعاصمة الفرنسية و التي لا يمكن لمسيحي العالم أن يقبلوا باختفاءها …
للتضامن عنوان لا يمكن أن تخطئه عين مراقب وهو عنوان لا تدركه من تشتت قلوبهم وتفرقت سبلهم ممن يدعون أنهم خير أمة أخرجت للناس و الذين يتعين عليهم أن يقرأوا و يتعلموا دروس التضامن بين الامم و الشعوب التي اذا أصيب أو اهتز عضو من أعضائها اهتزت له كل مكونات الجسد .. ومع أنه ليس الدرس الاول من نوعه في التضامن الشعبي و الرسمي في الغرب, فان الدرس يأتينا هذه المرة من العاصمة الفرنسية باريس وهي تعيش على وقع الحادثة الاليمة التي اهتزت لوقعها عواصم العالم مع تأجج اللهيب في كاتدرائية نوتردام روح العاصمة الفرنسية و قبلة السياح من مختلف أصقاع العالم..و كما في مختلف الاعتداءات الارهابية التي شهدتها فرنسا في السنوات القليلة الماضية فقد كان التضامن سيد المشهد في مختلف انحاء فرنسا حيث تجند أعوان المطافئ كما رجال الاعلام و رجال الدين و السياسة و الاعمال والفن من أجل رسالة واحدة و هي أنه سيتم اعادة ترميم و بناء ما أكلته النيران ..
احترقت كاتدرائية نوتردام قلب فرنسا النابض فاهتز العالم بشرقه وغربه للحادث و تنافس الجميع على تقديم المساعدات وجمع التبرعات فضلا عن الدعوات الى مؤتمر للمانحين لانقاذ ما بقي من الكاتدرائية و صيانة الذاكرة الفرنسية و الاوروبية للمسيحيين ..
لكن وقبل حتى أن تتواصل بيانات التعاطف و التضامن من مختلف العواصم العالمية و المنظمات الاقليمية و الدولية كان الفرنسيون سياسيون و فنانون ورجال أعمال يتنافسون على شحذ الهمم وتوجيه رسالة واحدة مفادها ضرورة اعادة بناء ما تهدم و في ذلك ما يختزل ثقافة الحياة و البناء و رفض صور الخراب و الدمار …
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان يستعد لخطاب حول مخرجات الحوارالوطني و الخروج من الازمة التي تعيش على وقعها فرنسا منذ اشهر و لكنه اثر تأجيل الامر ومعاينة تداعيات الكارثة , كما اثر تأجيل الحملة الانتخابية الاوروبية لمواجهة الحدث الجلل …
الحقيقة ان المشهد رهيب , و لقطات تأجج اللهيب في الكاتدرائية التي تقف شاهدا على عظمة التراث المعماري القوطي ولكن أيضا على ارث فني وذاكرة انسانية تختزل محطات مصيرية لاكثر من ثمانية قرون من تاريخ فرنساالامر الذي حرك سواكن جل قادة العالم المسيحي وغيره فتسابقوا في اعلان تضامنهم مع فرنسا و اطلاق الوعود للمساعدة في ترميم الكاتدرائية معتبرين أن الحادث يستوجب توحد العالم لاعادة بناء الكنيسة …الحقيقة أنه بقدرما نثمن مثل هذه المواقف عندما يتعلق الامر بمواجهة الكوارث و الماسي التي يمكن أن تواجهها شعوب العالم بقدرما نخجل من غياب التضامن العربي العربي والتضامن العربي الاسلامي في مواجهة الالام و الجروح اليومية التي تهز الشعوب العربية الغارقة في فقرها و بؤسها وامراضها و تشردها في المخيمات والملاجئ …فخير أمة أخرجت للناس نسيت معاني و مفهوم التضامن الذي بات يقتصر في أفضل حالاته على بيانات الدعم و التعاطف
لانشك لحظة واحدة أن اعادة ترميم و بناء ما التهمته النيران من كاتدرائية نوتردام سيتم تشييده لتعيد الكنيسة فتح ابوابها واستقبال مريديها ..نقول هذا الكلام لان هذا ما أكدته التجربة لا سيما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واستعادة اوروبا عافيتها و مكانتها بفضل تعاونعا و تضامنها …و هذا أيضا ما كشفته مختلف الازمات الاقتصادية التي مرت بها اوروبا في السنوات القليلة الماضية فلم تتأخر في دعم البرتغال و اسبانيا و مساعدة اليونان في أسوا أزماتها و لم تتخلف كلما غضبت الطبيعة و امتدت اليها الحرائق اوالفياضانات أو الزلازل …
في المقابل يغيب التضامن عن الدول و المجتمعات العربية و كلما تعددت ازماتها كلما زاددت خصوماتها و خلافاتها و كلما فرض حصار على واحدة منها الا و كان الاشقاء أول الملتزمين به …بالامس سجل اندلع حريق بأحد فروع المسجد الاقصى ولكن لا أحد انتبه اليه أو دعا الى التضامن مع ما يتعرض له هذا المعلم الديني من تهويد و من تدمير …من جراءم القاعدة في افغانستان الى جرائم الدواعش و ما دمر في مدينة نمرود الاشورية و تدمر و الرقة و الموصل و صنعاء و ما خرب و سلب و نهب من متاحف و اثار وصولا الى ارهاب الجيش النظامي الاسرائيلي في حق المقدسات في الاقصى و الخليل و هي جرائم موثقة من صنع البشر و ليست نتيجة غضب الطبيعة فانها لم تسجل في الوعي الشعبي و الرسمي العربي ما يمكن أن يثير تعاطف ودعم وتضامن المجتمع الدولي والرأي العام الدولي الذي أدرك مبكرا أن الامم والشعوب المتضامنة في محنها أحرى بدعم وتأييد كل العالم …
صحفية و كاتبة تونسية - راي اليوم -