facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

في ذكرى شهداءِ قلعةِ الكرك

في ذكرى شهداءِ قلعةِ الكرك

القبة نيوز-عَمانُ لا تَرخي جَديلتها عَلى صدر الجبان) وَزنابقُ الأردنِ تَزرع ليلها فرحاً.. وتسقي قلبها سماً  ولا تستمطر الباغي حنانْ)

شهداؤنا هم بِذارُ الأرض، أسنَّةُ رماحِ الأردنِّ العظيمِ ونصالُ سهامهِ ودروعُ حصنه ، هم عظامُ تراقيهِ وتيجانُ جبينهِ وضَّاءةً، زُرْقَةُ السماء ، شقشقةُ الطيور ، أنفاسُ الصباحاتِ ، همهمةُ الفجر ، ابتهالات المصلينَ ، دمعَةُ أمٍ ثكلى سُفِحتْ على خدِّ الشَّفَقِ والليلِ وما وَسَق ، همْ صبحُنَا بعدَ عسعسةِ الزمانِ وفحفحَةِ أفاعي الجُحُور، رسلُ الموت إلى أعداءِ الحياة ، سحائبُ السَّحَرِ إلى محاريثِ الأرض ، قطراتُ الندى والطَّلِ إلى سنابل الحنطةِ المثقلة بأنَّـاتنا، شهداءُ أمةٍ وكبارُ وطنٍ ، وُلِدُوا على أسوارِ القلعة مرابطينَ واضعينَ أرواحَهم قناديلَ معلقةً بعرشِ الرحمنِ وأسماءهم تلبيَةً وقربى في اللوح الإلهي المكنونِ والنصرِ المقدَّسِ ، ترجَّلوا عن النجوم إلى النجوم والليل مقمرٌ، ليقولوا للحياة كوني وردةً في شوكِ هذا المدى ، صُوَّانا حَجَريَّا على سور قلعتها الجموحِ ، وفي شرفاتها سكبوا دمهم النبويَّ كي تخضرَّ صحراؤنا بعد انحباس أم الغيثِ وعارضِ القربى .

على جدرانِهَا حبسوا أنفاسَهم الناعمةَ ونفوسهم الجامحة صومًا وصلاةً وأزيْزًا ، والقنا يقرعُ القنا والرصاصُ يطردُ الخَبَثَ رُخاءً حيثُ أصابَ، كانوا يعلمونَ أنّ موجَ المنايا حولهم متلاطمٌ ، لكن دماءَهم تطايرت أرجوانا على ربعِ الأردنِّ وربيعهِ وسُمَّا أبديَّا ناقعا للبُغاةِ ؛ وعندها لذَّ طعْمَ الموتِ شاربُهُ ، فتيةٌ كانوا على موْعِدٍ مع خوض بحارِ المنايا ، شركاؤها في الفتكِ ونزعِ النفوسِ فلم يتركُوا للناظرينَ المتوسمينَ إلا قولَ المتنبي : نعُدُّ المشْرَفِيَةَ والعوالي وتقتُلُنا المنونُ بلا قتالِ

وأما هم فقد وقفوا في جَفْنَ الردى وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ وقالوا للرصاص كنْ وسْمَنَا أو رسمَنا أو شكلنا، فانقلبوا بنعمة من الله لم يمسسْهم سوء.

فرسانُ القلعةِ آمنوا بربِهم حينما كان الإيمانُ خالصا محضًا ، وزادهم هدًى حينما كان الهدى سبيلا واحدا لسالكيهِ ، هم جُمْجُمة الوطنِ ، أوتارُ كرامتنا وضوءُ نارِنا، ثُـلَّةٌ من الأولين والآخرين الصادقين ، فكلُّ قطرةٍ زكية منهم كالغيم تروِّي الوطنَ ليكونَ الظلَّ والعسل المصفَّى بطعم الزيت والزيتونِ والزعتر، هم بداياتُ رجولةٍ ونهايات قُـنُوتِـنا ، حجرٌ على حجر قد تولَّدَ من أخيه ، وسجادةٌ للأقحوانِ وضوءُ القمر ، ولادةُ طفلٍ على كفِّ سوسنةٍ تطيِّرُ فراشاتِها صوبَ سِرْبِ القطا ليعيرَ جناحَه للغيم كي يسقيَ العطشى وأبناءَ الشهداء ماءً نميرا مقدَّسًا من فيض الإله. تسبيحةُ شيخٍ غمَّسَ شيبَـته بوجعِ الدوالي وانحنى في الأرضِ كي يُسَجِّيَ بنيه في عروق الياسمين. ولغير عشاقِ هذا الوطن السمُّ والعلقمُ ؛لأنهم زبَدٌ وغُثَّاءٌ وسيفٌ خشبيٌّ مُـثَـلَّمٌ . شهداءُ القلعة عليهم منا السلام بإذن ربهم في كل بوحٍ ودعاء وصلاة ، وجادت على قبورهِم كلُّ واكفةِ القطر ، وسحابةٌ مخصبٌ مطرهُا لمن رجاها فاستهلّتِ ؛ فلقدْ صدقتم العهد وجدْتم بأنفس لا يجادُ إلا بمثلها وكان نشيدكم يومئذٍ ، يومَ ابيضَّتْ نواصيكم :

إذا المرءُ لم يغشَ الكريهَةَ أوْشَكَتْ حبالُ الهويْنا بالفتى أنْ تقَطَّعَا

وقد غُذُّوا من لَبَانَ الأرض فأخذوا شكلَ الوطن : غيرَ أن الفتى يُلاقي المنايا كالحاتٍ ولا يُلاقي الهَـوانا

والرايةُ ذاتها الرايةُ منذ صيحة جعفر محمولةً في رموشهم ، وأيديهم على السيوف ، وما بين زمني مؤتةَ والقلعة أزمنةٌ نضَّاخَةٌ بنجيع الشهداء ، الطريق إلى اللهِ صعودا واحدٌ أبيضُ ، والنبضُ القلبي واحد طاهرٌ أيضا ،تسيل على حدِّ الظباة نفوسُهم ذَوْدا عن الدين والوطن والعِرض ، لا فرق بين مدني وعسكري ساعةَ النزال ، ولكلِ جنبٍ مصرعٌ ولكل غادر باغٍ حتفُه والعاقبةُ للتقوى والمجد مخلَّد للسابقين الأولين : هزاع المجالي وفراس العجلوني ووصفي التل وهزاع المجالي ومعاذ الكساسبة وراشد الزيود وفرسان القلعة الذين اتبعوهم بإحسان : يزن السعودي وسائد المعايطة ورفاقهما .

الشجى يبعثُ الشجى والشهداء من السماء وإليها يخطُّون دماءهم على جداريات قلوبنا وقلاعنا ويحفرون على وجه السماء وجهَ الأردن :

ولسنا على الأعقاب تُدْمَى كلومُنا ولكنْ على أعقابنا تقطرُ الدِّما

عليهم السلام كلَّما أذَّنَ مؤذنٌ ، وفاهتِ القلوبُ بآي الذكر سكَنا وأمانا، وقد روَّوَا بدمهم مدادَ الأرض كلِّها بالحياة وعتمتَها بالنور ، فلكم الخلودُ والرَّوْحُ والريحانُ وجناتُ النعيم، ومنا مَنْ ينتظر ؛ فلعشقِ رموشِ الأردن الذارياتِ هواءَه ما خفقَ الفؤادُ، وما هتفتْ في التباريحِ الشجونُ فلا زالَ في الغيم غيثٌ ولا غالبَ إلا الله.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير