ترتيب الأجندة
جمانة غنيمات
الحال اليوم معقد، والمزاج مضروب عند الجميع؛ مجتمع ومسؤولين. الكل في حالة نفسية عصيبة تفرضها تحديات المرحلة على المسؤولين، وتولدها الخيبة عند الناس.
الفوضى، وأحيانا الجنون، يحكمان سير الأمور بالتحديد على المستوى الإقليمي. وحتى نتجنب بعضا من تبعات الجنون والفوضى، علينا كأردنيين أن نرتب أجندتنا، ونضع السيناريوهات للتعامل مع ما يجري، من أجل أن نخرج بأقل التبعات من الموجات التي تضرب المنطقة، وتلك المتوقعة في قادم الأيام.
تعالوا نتطلع لما حولنا أولا قبل أن ننظر إلى بيتنا الداخلي. في الأجواء التحضير لضربة عسكرية أميركية ضمن تحالف دولي لضرب سورية، وقبل ذلك كانت المعلومات تتوالى عن معركة في الجنوب السوري، والأمران لا ينفصلان، فكلاهما يفتح أمامنا سيناريو لموجة لجوء ضخمة على الأردن أن يتحضر لكيفية التعامل معها، وهو الذي يشكو عبء اللاجئين الموجودين وتقصير المجتمع الدولي في تغطية كلفهم.
الجزئية الأخرى المرتبطة بهذا الأمر، هي انهيار "داعش" وانتهاء باقي الفصائل والتنظيمات التي تشبهها، ما يضعنا أمام تهديد الإرهاب من جديد، فكيف يوازن الأردن بين التزاماته الأممية واحترامه للقوانين الدولية والإنسانية وفي الوقت ذاته يحمي مصالحه.
الأردن يعلن أن لا حل عسكريا في سورية، وبقي مصرا على الحل السياسي الذي تبدو فرصه ضعيفة في ظل التصعيد الحاصل، وصراع النفوذ والقوة القائم في سورية.
أردنيا؛ علينا أولا أن لا نكون جزءا من هذه الحرب، وأن يبقى جيشنا داخل حدودنا، فليس له دور أهم من حماية الحدود للتعامل مع موجة اللجوء المحتملة، وأيضا تحصين البلد من عبور إرهابيين ما يزالون يتحينون الفرص لذلك، ووضع استراتيجية متوسطة وطويلة المدى للتعامل مع الأزمة السورية التي لا يلوح لها حل.
وفي إطار تباين الأجندات في الإقليم، فعلى الأردن أن يبحث عن الأجندة التي تخدم أمنه ومصالحه، وفي الوقت ذاته يعمل على فتح بوابات جديدة لقواعد تحركات، بما يخدم أجندته الاقتصادية، والتخفيف من صعوبة الوضع الاقتصادي، ليعوض ولو جزئيا النتائج القاسية لاستمرار الأزمة على الحدود السورية وإغلاق إحدى أهم البوابات في وجه الحركة الاقتصادية.
هنا ننتقل إلى ملف ترتيب العلاقة مع العراق، لإعطاء زخم أقوى وتحقيق نتائج أفضل من روابط التعاون بين البلدين، وإدارة الملف بشكل مفيد كفيل بتحقيق منافع للطرفين؛ الأردني والعراقي، خصوصا أن العمق الاستراتيجي بينهما مسألة لا يمكن التغاضي عنها، فالفائدة كبيرة جدا.
خارجيا أيضا، يبقى قائما تحدي الصفقة الأميركية المنتظرة لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية التي يبدو الأردن اللاعب الأهم المؤمن بمحورية هذه القضية لإحلال السلام في المنطقة.
في هذا الملف تبدو الحلول صعبة، لكن الممكن والأهم لحل واقعي يبطل مفعول الصفقة ويجهضها العمل على تثبيت السكان المقدسيين بالتحديد، وفي الضفة الغربية كذلك، إضافة إلى استمرار التحرك الأممي والقانوني الذي يقوي موقف الفلسطينيين في مواجهة مد صفقة القرن.
في ظل المعطيات السابقة نعبر إلى مشهدنا الداخلي، والذي بدون ترتيبه تقل مناعتنا في مواجهة كل التحديات الإقليمية، وليس سرا أن أزمتنا الداخلية مركبة؛ فهناك أزمة ثقة خانقة، وأخرى اقتصادية لا تنفصل عنها أزمة اجتماعية تتعدد إفرازاتها ونتائجها.
كل التفاصيل السابقة تحتاج إلى أجندة وطنية ترتب الأوليات، وتحدد التحديات وتعلي من شأن الفرص، حتى نتحضر لإدارة المرحلة المقبلة ومواجهة كل تحدياتها.
الوصفات متعددة، والحلول كذلك، ويتفوق عليها بالأهمية إدراك حجم المخاطر، وترك عقلية إدارة الشأن العام بعقلية الأمس، فالتحديات مختلفة والحلول المطلوبة كذلك.