الاستراتيجية الامريكية بعد غزة
القبة نيوز - بقلم الباحث بالشؤون السياسية والإقليمية لافي العمارين
لم تشأ حرب غزة ان شارفت على نهايتها بعد إتمام صفقات التبادل المتفق عليها بين حماس والكيان الصهيوني، حتى بدأت حرب الاعلام والتصريحات في طرح مبادرات تنم عن ما يضمره الكيان المحتل في سره تجاه مشروعة الصهيوني المستقبلي، فلم تكاد المرحلة الاولى من اتفاق الهدنه ان انتهى حتى بدأ المسؤولين الاسرائيليين بالمناداة بالعودة للحرب، فهم يعلمون جيداً بأن اهدافهم المعنية بمستقبلهم باءت بالفشل، وتحطمت على اسوار غزة رغم انتصارهم التدميري، واصبح من المعتاد سماع هذه التهديدات المتكررة، ولا ينكر محيط اسرائيل العربي الدعم الامريكي المتواصل لإسرائيل في شتى المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، فالحقيقة أن اسرائيل تسعى جاهدة لتحقيق حلمها في مشروعها الصهيوني بكل ما تملكه من قوة وأساليب وادوات، وعلى كافة الصعد في صراعها مع العرب .
+
لكن ما استجد على هذا الصراع في هذه الفترة، أن الولايات المتحدة الامريكية تبنت هذا المشروع الصهيوني، وبدت تصريحات الرئيس الامريكي ترامب كأنما اخذ على عاتقة تنفيذ مشروع اسرائيل في المنطقة، بهذه التصريحات تظهر حقيقة الاستراتيجية الامريكية، فنظرت الى الصراع العربي الاسرائيلي من وجهة نظر تحفظ أمن اسرائيل على حساب الشعوب العربية، وحساب الحدود الجغرافية للدول العربية، لا يمكن فهم هذه التصريحات الا في سياق العدوان على الامة وسيادة الدول والاعراف الدولية .
بين ليلة وضحاها تناست امريكا تهديداتها بالانقضاض على المشروع النووي الايراني، ونسي ترامب بأنه انسحب من الاتفاق النووي مسبقا، وعلى حين غرة جاءت تصريحاته فيما يخص اوروبا وحرب اوكرانيا مغايرة لما يطمح لة الاوروبيين من درء التهديد الروسي، ان توجس فرنسا من تصريحات ترامب وضع اوروبا في الكفة المقابلة، تلاها وعودة التنفيذية بإعادة المهاجرين قسرا الى دولهم، هل هذه تصريحات ترامب الشخص أم ترامب الدولة؟
علينا ان نفهم ان تصريحات ترامب هي في نطاق التخطيط الاستراتيجي لمنطقة الشرق الاوسط، وليست وعود انتخابية يجري تنفيذها مرحليا، ففي العقد الاخير من هذا القرن وجدت امريكا نفسها قابعة بين منافسين عدة في الشرق الاوسط وقارة اسيا، فدعمها المتتالي لأوكرانيا ارهقها ماديا في ظل عدم حسم المعركة لصالحها، خروجها من افغانستان افقدها عنصر التأثير جنوب روسيا رغم وجود حليفتها أذربيجان، وجودها في العراق ضمن وجود دولي، تدخلها في سوريا وضعها محصورة في نطاق جغرافي متأثراً بالوجود الايراني والروسي والتركي، الاعتداءات المتكررة على سفنها في البحر الاحمر وضعها في وجهة منفردة في الرد على هذه الاعتداءات مستعينة بالضربات البريطانية والاسرائيلية، جل هذه العوامل وعوامل اخرى وضعها امام اعادة النظر في المنطقة .
من خلال قراءة الاحداث يظهر جلياً ان الولايات المتحدة الامريكية حزمت أمرها إعادة النظر في مكانتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، وبدأت تفكر في اعادة فرض الحلول والمبادرات على دول المنطقة، وهاهي تصريحات ترمب ترسم استراتيجيتها وتتبنى مسؤولية مشروع الشرق الاوسط الجديد، بحلة يبدو انها تأخذ على عاتقها تنفيذه، ماورد بخصوص ترحيل سكان غزة الى الدول المجاورة يعني الصيغة الجديدة لخارطة المنطقة، معتقداً ترامب ضنا منه انه يرسي اواصر السلام كما اطلق على نفسة، تناسى انه بهذا الطرح والمبادرة سيشعل الحرب التي لا تبقي ولا تذر، فهو حفظ أمن اسرائيل وتجاهل حقوق الفلسطينيين، بهذا العمل المستقبلي يتجاوز ارادة الاسرائيليين انفسهم لأبعد من ذلك، فالتغيير الديمغرافي في غزة يعني الوجود العسكري المباشر وبدون الحاجة لصياغة اتفاقية وجود عسكري مع دوله اخرى .
ان الوجود العسكري الامريكي المباشر في حوض البحر الابيض المتوسط يمنحها ورقة اقتصاد نفط الابيض المتوسط، والتلاعب بقناة السويس العالمية، والاقتراب من الصين ضمن الاستراتيجيات العسكرية، بهذه التصريحات تتجاوز الولايات المتحدة الامريكية بطموحاتها ما يصبوا الية الإسرائيليين انفسهم، فهي تعي تماما بأنه لا وجود لإسرائيل بدون وجودها، ويبقى هنا السؤال ماذا يملك العرب من اوراق لمواجهة هذا الطرح ؟ هل الامر تجاوز الوقوف عند المطالبة بحل الدولتين ؟ دون انصياع اسرائيل لهذا الطرح العربي ؟ والمستغرب ان الردود العربية منحصرة في الدول المستهدفة الاردن ومصر، ان التباعد الاوروبي الامريكي ورقة يمكن استثمارها دبلوماسيا لصالح العرب، ويمثل حشد الدول المستهدفة من الاوامر التنفيذية لترامب موقفا مؤثراً على صعيد الساحة الدولية، وتملك الدول العربية الكثير من الاوراق فمتى وكيف وأين تستخدم اوراقها ؟