الاحتيال المالي يتفاقم.. هل تستطيع البنوك الصمود بمفردها؟
القبة نيوز- أما على صعيد توزع أنواع جرائم الاحتيال المالي في عام 2024، فقد تصدّر "الاحتيال في المدفوعات" المشهد، بحجم خسائر بلغ 386.8 مليار دولار، مما يعكس التحديات الهائلة التي تواجه القطاع المالي في هذا المجالتحوّلت عمليات الاحتيال المالي إلى تهديد عالمي متنامٍ، يلتهم أموال الأفراد والمؤسسات ويتسبب في معاناة إنسانية لا تُقدّر بثمن، ففي العام الماضي وحده، تجاوزت الخسائر العالمية الناتجة عن هذه الجرائم، حاجز الـ 500 مليار دولار أميركي، تاركة وراءها آثاراً اقتصادية واجتماعية مدمّرة.
ومع تزايد تعقيد أساليب المحتالين في عمليات الاحتيال المالي، يدق الخبراء ناقوس الخطر، مشددين على أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات جادة لمواجهة وجاء "الاحتيال عبر الشيكات" في المرتبة الثانية، حيث سجل 26.6 مليار دولار من الخسائر، يليه "الاحتيال عبر بطاقات الائتمان" في المرتبة الثالثة، بمبلغ 28.6 مليار دولار، وهو ما يبرز الحاجة إلى تعزيز نظم الأمان في المعاملات المالية.
أما "الاحتيالات عبر الإنترنت"، فقد بلغت خسائرها 20 مليار دولار، مما يُظهر مدى استغلال المحتالين للتطورات التكنولوجية في تنفيذ هجماتهم، في حين حلّت "احتيالات الرسوم المسبقة" التي سجلت 19.1 مليار دولار كخسائر في المرتبة الخامسة، تبعتها "احتيالات انتحال الشخصية" بحجم خسائر وصل إلى 6.8 مليارات دولار، في حين بلغت خسائر "احتيالات رسوم التوظيف" 3.9 مليارات دولار، وخسائر "احتيالات الثقة" 3.8 مليارات دولار.
وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن البنوك تتحمّل بالفعل تكاليف العديد من أنواع الاحتيال المالي، بدءاً من الشيكات المزيفة مروراً بعمليات التزوير في أجهزة الصرافات الآلية، وصولاً إلى السرقات عبر انتحال الهوية، ولكنها لا تعوّض العملاء الذين تعرضوا للاحتيال بإرادتهم.
الحل يكمن في محورين أساسيين
وأوضح التقرير أن تحميل البنوك وحدها مسؤولية مراقبة جميع أشكال الضعف، المرتبطة بعمليات الاحتيال المالي، وتحديداً عمليات "الاحتيال في الدفع" ليس كافياً، بل ينبغي على صناع السياسات دعم جهود المصارف، من خلال التركيز على محورين أساسيين:
تبادل المعلومات وملاحقة المحتالين، فمن الضروري تبادل المعلومات لتزويد المستهلكين والشركات بتحديثات مستمرة حول الأنماط الجديدة من الاحتيال، مما يعزز جهود مكافحة هذه الظاهرة، وفي الوقت ذاته، يجب دعم سلطات إنفاذ القانون لتعقب المحتالين واستعادة الأصول المسروقة.
ونبّه التقرير إلى أنه إذا لم تحدث تغييرات جذرية، فسيستمر عدد ضحايا عمليات الاحتيال المالي في التزايد، ولذلك فإن الوقت قد حان لإطلاق حملة صارمة طال انتظارها لمواجهة هذه التحديات بفعالية.
الهندسة الاجتماعية في الصدارة
ويقول المستشار المصرفي بهيج الخطيب في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عام 2024 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات الاحتيال المالي، لا سيما تلك المتعلقة بالاحتيال في الدفع، وهو ما أكده العديد من المصارف الكبرى حول العالم، إذ يتزايد اعتماد المجرمين على تقنيات متطورة، تستهدف خداع العملاء وإقناعهم بإرسال الأموال مباشرة إليهم، وأبرز هذه الأساليب هي عمليات الاحتيال عبر "الهندسة الاجتماعية"، ففي مثل هذه الحالات، يتمكن المحتالون من إقناع الضحايا، عبر وسائل خادعة، بتحويل الأموال بمحض إرادتهم، دون أن يدرك هؤلاء أنهم وقعوا ضحية فخ محكم، ونظراً لأن الضحايا يحولون هذه المدفوعات بكامل إرادتهم، فإن المؤسسات المالية عادةً لا تكون ملزمة بتعويضهم، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة وترك العديد من المتضررين يتحملون خسائرهم وحدهم.هذه الآفة، التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، وذلك من خلال التعاون الوثيق بين الحكومات والقطاع الخاص، بما يشمل وضع استراتيجيات شاملة لتعزيز الأمن المالي، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر بشأن هذه الجرائم.
وبحسب تقرير الجرائم المالية العالمية 2024 من ناسداك فيرافين، فإن آسيا والمحيط الهادئ، كانت المنطقة الأكثر تعرضاً لعمليات الاحتيال المالي هذا العام، بمبلغ يفوق الـ 221.7 مليار دولار أميركي، تبعتها منطقة الأميركيتين بمبلغ قدره 151 مليار دولار، ومن ثم منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بمبلغ يفوق 113.2 مليار دولار.
أكثر وسائل الاحتيال المالي
وتُظهر البيانات أيضاً أن البنوك العالمية تكبّدت النصيب الأكبر من الخسائر الناتجة عن جرائم الاحتيال المالي في عام 2024، حيث بلغت خسائرها 442 مليار دولار، أي ما يقرب من عشرة أضعاف الخسائر التي لحقت بالمستهلكين والشركات، حيث إن هذا الواقع يُبرز الحاجة الملحّة إلى تطوير المصارف، أنظمة أمان أكثر كفاءة، بهدف تعزيز حماية أموال العملاء، وتقليل الخسائر المحتملة في المستقبل.ويشرح الخطيب أن عمليات الاحتيال عبر "الهندسة الاجتماعية" ليست مجرد سرقة أموال، بل هي تلاعب ذكي بالعقول، حيث يستغل المحتالون نقاط الضعف النفسية لدى الأفراد، كالثقة أو الخوف، لإقناعهم بإرسال الأموال أو مشاركة معلومات مصرفية حساسة، بأساليب تبدو بريئة أو مقنعة، وعندها يتحول المحتال إلى صديق موثوق بنظر الضحية، مشيراً إلى أن عمليات الاحتيال المالي عبر "الهندسة الاجتماعية" بدأت الانتشار قبل نحو خمس سنوات، لكنها تسارعت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة مع اعتماد المحتالين على تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لتطوير أساليبهم، ما يجعل خداع الضحايا أكثر تعقيداً وإقناعاً.
خطوات تحفّز المحتالين
ويلفت الخطيب إلى أنه لمواجهة تصاعد عمليات الاحتيال عبر "الهندسة الاجتماعية"، لجأت المؤسسات المصرفية إلى إبطاء عمليات الدفع، للتحقق من وجهتها وإلى وضع سقوف يومية لها، كما قامت بمزيد من الاستثمارات في تقنيات المراقبة، وتحليل المعلومات والمعاملات، بهدف رصد الأنشطة المشبوهة والحد من الخسائر المحتملة، ومع ذلك، فإن هذه الجهود لم تتمكن بعد من القضاء على المشكلة بالكامل، إذ لا يزال العديد من الأشخاص يقعون ضحية لهذه الاحتيالات، لافتاً إلى أن السلطات في بعض الدول، وبدلاً من مواجهة آفة الاحتيال المالي من خلال ملاحقة المحتالين وتوعية المجتمع، تحاول إقرار قوانين لإجبار المؤسسات المالية والمصرفية، على تعويض الأفراد الذين قاموا بتحويل الأموال للمحتالين بمحض إرادتهم، حيث إن هذا الأمر ستكون له انعكاسات سلبية كبيرة على القطاع المصرفي، وسيشجع المحتالين على استغلال الثغرات لتحقيق مكاسب على حساب المؤسسات.
التعاون بدل الضغط على البنوك
من جهته يقول المحلل المالي محمد سعد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الجهات التنظيمية في بعض الدول تضغط على البنوك، لإجبارها على تغطية خسائر الضحايا الذين وافقوا وبملء إرادتهم، على إجراء مدفوعات مالية، نتيجة تعرضهم لعملية خداع، ظناً منها أن ذلك سيدفع المؤسسات المالية إلى تعزيز جهودها في مكافحة عمليات الاحتيال المالي، وهو توجّه يعتبره سعد غير مجد، فبدلاً من زيادة الضغوط على المصارف التي باتت بحاجة ماسة إلى دعم أكبر في هذا المجال، يجب على سلطات إنفاذ القانون تعزيز التعاون الدولي، لتعقب المحتالين واستعادة الأصول المسروقة، إضافة إلى الحرص على تزويد المستهلكين والشركات بتحديثات مستمرة، حول الأنماط الجديدة من الاحتيال وتوعيتهم لعدم تصديق أي عروض أو وعود تبدو مشبوهة.