facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

القيادة بالقيم

القيادة بالقيم

د. سامر إبراهيم المفلح

القبة نيوز-تبرز القيم الجوهرية أو ما يُعرف بالقيم الأساسية "Core Values" للمنظمات الكبرى سواء كانت خاصة أم عامة أم غير ربحية كأحد أهم العناصر التي تؤثر في ترسيخ ثقافة المنظمات، فهي المبادئ والمعتقدات التي توجه سلوك العاملين داخلها من أجل تحقيق مهامهم بالشكل القويم، وبما يستجيب لتوقعات المتعاملين ويعزز التنافسية.


وتتّبع المؤسسات بالعادة مجموعة محددة ومعلنة من القيم تنسجم مع أهدافها وتسهم في تحقيق غايتها، فعلى سبيل المثال تركز الشركات التي تعمل في مجال تقنية المعلومات على الابتكار والتطور، أما المؤسسات الحكومية فتقرّ عددًا من القيم لعل من أهمها الخدمة المتميزة، منظمات أخرى تثمّن قيم روح الفريق، الشفافية، العمل الجاد، الدقة، الاحترام، الولاء، وغيرها من أشكال القيم.

ويتم التعريف بالقيم التي تحتذي بها المؤسسات ويصار إلى تعميمها في مختلف أماكن العمل لتكون جزءًا من الهوية المؤسسية، فتكون على شكل نشرات ومواد معلنة مرئية تبرز في اللوحات الجدارية داخل المؤسسة، كما يشار لها في المواد المطبوعة كالتقارير السنوية والموقع الإلكتروني، كما تلجأ بعض المؤسسات إلى ذكر بعض قيمها في إعلاناتها، ويتم الـتأكيد على هذه القيم عند التعريف بالمؤسسة، وعقد الأنشطة التدريبية للموظفين، واللقاءات المختلفة بين الإدارات العليا والموظفين.

إلا أن النظرية الإدارية تؤكد أن هذه القيم لن يتم ترسيخها وستبقى شعارات تنادي بها الشركات إن لم تنعكس بشكل رئيس على سلوكيات القيادات العليا، فالمدير العام والمدراء التنفيذيون هم من يضربون المثل الأعلى في ممارسة هذه القيم بالشكل السليم، وعمليًا فإن المدير الذي يحفز الابتكار والتغيير، ويتلقى الأفكار الجديدة بإيجابية ويشجعها، يحفز المدراء الآخرين والموظفين على ممارسة هذا السلوك خصوصًا إذا كان الابتكار من القيم الأساسية.

وعلى النقيض تمامًا فإذا كانت إحدى القيم التي تتأسّى بها المؤسسة هي الخدمة المتميزة ولا تقوم الإدارات العليا فعليًا بمتابعة مستوى الخدمة للعملاء، ولا تقوم بالسلوكيات المطلوبة التي تعززها كسياسة الباب المفتوح، والتواصل الميداني مع متلقي الخدمة، والاستماع إلى احتياجاتهم بشكل مستمر، فإن هذه القيمة المعلنة لن تتجذّر في تعاملات الموظفين مع الجمهور.

مؤخرًا تطوّرت المفاهيم الإدارية بشكل كبير، وصار ينادي الخبراء والمتخصصون بضرورة انسجام قيم الموظف مع قيم المؤسسة "Person-Organization Fit"، فمثلًا المؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الربحية هي مؤسسات أهدافها اجتماعية بالدرجة الأعلى، ولا تسعى إلى الربحية بشكل أساس، ولذلك فإن الأشخاص المتطلعين إلى الثراء بالدرجة الأولى قد لا يناسبهم العمل في هذه المؤسسات، وحتى وإن عملوا بها فإن استمرارهم على المدى الطويل أمر غير متوقع.

يتطلّع اليوم الأردن إلى إحداث قفزة في منظومة الإدارة العامة تحت بند ما يُعرف بالإصلاح الإداري، وتتبنّى مختلف مؤسسات الدولة قيمها الخاصة التي تنسجم مع غايتها وأهدافها واستراتيجياتها، إلا أننا بحاجة ماسة إلى تبنّي منظومة من القيم الأساسية في القطاع العام تقوم القيادات العليا فيه بترسيخها وممارستها في العمل اليومي لتكون مثالًا وملهمًا للموظفين داخل القطاع على اتباعها، كما أنه من المهم التأكد من انسجام هذه القيم مع طبيعة الموظفين في مختلف مواقعهم.

إن عملية الإصلاح الإداري لا تقتصر على الموظفين الميدانيين في أماكن عملهم، وكيفية تعاملهم مع المراجعين، بل إن لقيادات المؤسسات العامة دورًا أساسيًا في هذا الإطار، عمليًا وعلى أرض الواقع فإن الدوائر الرسمية التي حققت قفزات نوعية في مستوى خدماتها، وانعكس ذلك بشكل مباشر على المواطنين، كان السبب الأساس في ذلك قناعة الموظفين بمجموعة من القيم الأساسية التي انعكست على سلوكهم ولعب قادة هذه المؤسسات دورًا رئيسًا في تبنّي وتعزيز وترسيخ هذه القيم بين مختلف المستويات الإدارية.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير