الشرفات يكتب : امتطاء الموجة في مواجهة هيبة الدولة
- تاريخ النشر : 2018-09-19 11:25:11 -
الدكتور طلال طلب الشرفات
القبة نيوز-ما يحدث في الفترة الأخيرة من التعاطي مع المقترحات الحكومية حول مشروع قانون ضريبة الدخل، سواءاً أكان الأمر من ردود الأفعال حول جولات الوزراء في المحافظات للنقاش حول أهمية وضرورة مشروع القانون، أو ما يُثار في وسائل التواصل الاجتماعي من التندر والسخرية، والاستعراض بتوصيف وتوظيف الحالة الوطنية يثير الكثير من التساؤلات المرعبة حول أدبيات الحوار الوطني الحقيقي، واحترام هيبة الدولة، وهما أمران لم يعد بمقدورنا تفهم حالة التمادي في فهم أسباب ومسببات ركوب الموجة الانفعالية المصطنعة وامتطاء عناوين تثير بريقاً بدافع من حالة الإحباط الشعبي تارة، وتحريض من بعض القوى المهمشة، وجماعات الضغط المتربصة والتي لا تريد للوطن خيراً تارة اخرى.
أفهم قواعد الاعتراض أو الاحتجاج الوطني النقي على السياسات الحكومية بالوسائل الديمقراطية المعقولة والمقبولة، وأتفهم تماماً أن تسقط حكومة أو يُقال وزيراً في مجلس الشعب بالوسائل الدستورية، وقد يكون مفهوماً مبدأ الاعتصام أو التظاهر؛ عندما تصم الحكومة آذانها عن مطالبات الناس، لكنّه يصعب قبول أساليب الشتم والتقريع، أو منع الوزراء من إبداء وجهات نظرهم في الشأن العام انطلاقاً من مسؤولياتهم الدستورية؛ لأن في ذلك احتكار للحقيقة ورفض للآخر، وتطاول لا يليق بالدولة وهيبتها، سيّما وأن الحكومة حصلت على ثقة مجلس النواب الذي يفترض أنَّه يمثل الشعب.
ليس دفاعاً عن الحكومة بل محاولة للتذكير بأن إدارة المشهد الوطني بالطريقة التي شهدناها في الأيام الأخيرة تنذر بخطر جلل، ونتائج وخيمة، وحالة من التوحد الوطني وإذا ما تفلتت الأمور من عقالها في استحضار الفهم، والتفهم الوطني المشترك الذي يعزز أركان الدولة، ومهابة مؤسساتها، وسلطاتها الدستورية؛ فالأوطان لا تدار بالأمزجة، والانفعالات ولا بالتقليد، وردود الأفعال؛ بل هي حالة من الحرص الوطني في الأزمات والمساءلة بعد اجتياز الظرف.
ما حدث في زيارات مراكز المحافظات يعد – للأسف - ركوباً لموجة لا تليق بالوطن، ونضال الأردنيين، ويعبر عن حالة من الإصرار على عدم تفهم الظرف الاقتصادي، وأولويات القرار الوطني، وخدمة لكل الذين يحاولون إضعاف هذه الحكومة التي تحاول جاهدة لتعزيز أدوات النزاهة ومكافحة الفساد من خلال تعديل قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد تعديلاً جوهرياً، وقانون الكسب غير المشروع بصورة مقبولة في هذه المرحلة، وقانون ديوان المحاسبة، والتزامها بمراجعة كافة التشريعات التي قد تتضمن منافذ للفساد؛ كنظام الأشغال الحكومية، وقانون الجمارك، وقانون الاستثمار، وقانون المنطقة الاقتصادية، وكافة التشريعات ذات العلاقة بهذا الشأن.
أسهل أمر في العمل السياسي هو ركوب موجة الاعتراض على كل شيء؛ لأنَّه غير مكلف، ولا يمكن أن يُعرّض صاحبه للنقد، أو الهجوم، أو التقريع، ولكن الشجاعة الوطنية تقتضي أن نتوقف أمام مسؤولياتنا الوطنية بعيداً عن نوايا الحكومات وتوجهاتها ومدى رضانا أو سخطنا من شخوصها، وأن ننحاز للمصلحة الوطنية العليا لإيماننا الراسخ بأن استقلال قرارنا الوطني لا يمكن أن يجاريه خيار آخر، وفي مجال مشروع قانون ضريبة الدخل مثار الجدل؛ فأن المصلحة الوطنية العليا تقتضي بأن نحدد مصالحنا الوطنية بعيداً عن الشعارات، والشعبويات التي لا تضع في حساب الخزينة العامة فلساً واحداً، ولا تمنع ضرراً محققاً في مصالحنا الاقتصادية، والسياسية العليا
حالة التقليد، والرضوخ للتحريض في وسائل التواصل الاجتماعي، واستحضار مظاهر التندر والازدراء؛ سلوك لا يليق بالنخب الواعية، وهو تطاول على هيبة الدولة، وتجاوز لأدبيات الحوار وشرعية الاختلاف؛ لأن الفرق واضح بين عدم الرضا والإساءة، فمن حق الجمهور الغاضب واقعاً أم تمثيلاً المغادرة في لقاء الوزراء ولكن ليس من حقهم منع المسؤولين من الحديث، أو إخراجهم من قاعات الحوار.
لقد نصحت بعض الوزراء بأن لا ينفذوا خيار اللقاءات في مراكز المحافظات؛ لعدم جدواها من جهة، ولأن السواد الأعظم من هذا الجمهور غير مستهدف اصلاً بقانون ضريبة الدخل، ولإدراكي بأن ركوب الموجة؛ هو للتعبير عن حالة من الإحباط، وضنك العيش الذي يعاني منه عموم الاردنيين في البوادي والأرياف والمخيمات وفي كل أرجاء الوطن وربما لأسباب أخرى أرجو الله أن لا نكون مستهدفين بها.
ليس أمام الدولة الأردنية من خيار سوى تعديل قانون الضريبة وفق الحد الأدنى من التوافق مع صندوق النقد الدولي، والبديل عن ذلك يعني عجزاً كبيراً في الموازنة، وعدم القدرة على الاقتراض بفوائد معقولة؛ لتسديد التزامات الدولة الضرورية من فوائد الدين العام والبالغة عدة مليارات من الدنانير تقريباً، أو عدم القدرة على الاقتراض أصلاً، سيّما وأن رفع الغطاء عن الأردن من قبل صندوق النقد الدولي سيؤدي لرفع الفوائد أو امتناع الدول عن إقراض الأردن، وتآكل مخزون الدولة من العملات الأجنبية وهو ما سيؤدي - لا سمح الله - إلى انهيار قيمة الدينار الأردني أمام العملات الأجنبية.
لقد استخدمت الحكومة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي كل مهاراتها التفاوضية وخياراتها المتاحة ووصلت إلى خيارين أحلاهما مراً، أمّا المساومة على قرارنا الوطني في هويتنا، واستقلالنا، وخلاص شعبنا، وإما الاعتماد على الذات وتجرع مرارة الصبر الشعبي الموجع، والاحتجاجات بكل ما تحوي من مخاطر وأضرار؛ فاختارت الكرامة الوطنية، واستقلال القرار الوطني الذي يوجب على كل وطني مخلص أن يقرأ الحالة الوطنية بعين الحرص الوطني، ومصالح الدولة العليا بموضوعية واقتراح البدائل الواقعية بعيداً عن الاستقواء على الدولة في ظرفها الدقيق.
جميعنا يدرك الحالة الاقتصادية الموجعة للأردنيين، ولكن الوطن أغلى من كل شيء، وكرامتنا الوطنية وهويتنا التي لا تقبل المساومة نفتديها بالمهج والأرواح، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..
تابعوا القبة نيوز على