الحباشنة يكتب ..إقصاء الرقابة تحت القبة… ديوان المحاسبة خطٌ أحمر عندما يُساء فهم دوره
بين الصلاحيات النيابية واستقلال الرقابة… أين تقف حدود المسؤولية الدستورية؟
بقلم - اللواء المتقاعد طارق الحباشنة
تابعنا قبل يومين، عبر المواقع الإلكترونية، ما حصل في جلسة مناقشة تقرير ديوان المحاسبة في إحدى قاعات مجلس الأمة، حيث شهدت الجلسة خلافًا بين بعض أعضاء المجلس وأمين عام الديوان، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا وتساؤلات مشروعة حول أساليب إدارة الجلسات، وحدود التعامل مع المؤسسات الرقابية الدستورية.
ما جرى تحت قبة مجلس النواب أثناء مناقشة تقرير ديوان المحاسبة لا يمكن التعامل معه كحادثة عابرة أو خلافٍ إجرائي عادي، بل هو مشهد يستدعي وقفة جادة ومكاشفة صريحة حول حدود الصلاحيات، وأولويات العمل الوطني، ومكانة المؤسسات الرقابية في الدولة.
ديوان المحاسبة ليس خصمًا سياسيًا، ولا طرفًا في سجالٍ نيابي، بل هو مؤسسة دستورية أُنيطت بها واحدة من اهم المسؤوليات الوطنية، تتمثل في حماية المال العام، وكشف مكامن الخلل، ووضع الحقائق أمام ممثلي الشعب بكل شفافية ووضوح. وأمينه العام، في هذا السياق، لا يمثل شخصه، بل يمثل منظومة رقابية كاملة تعمل باسم الدولة والمواطن.
إن أي تصرّف يُفهم منه التقليل من شأن ديوان المحاسبة، أو إبعاده عن ساحة النقاش في لحظةٍ يُفترض أن يكون حاضرًا فيها للشرح والتوضيح، يبعث برسالة سلبية لا يمكن تجاهلها، مفادها أن الرقابة قد تصبح موضع إزعاج بدل أن تكون محل تقدير، وهي رسالة خطيرة حتى وإن لم تكن مقصودة.
مجلس النواب، بوصفه سلطة تشريعية ورقابية، مطالب قبل غيره بأن يكون الحاضن الأول لديوان المحاسبة، والمدافع عن استقلاله، لا أن يُساء تقدير الموقف بما قد يفتح بابًا للتأويل أو التشكيك. فالصلاحيات التنظيمية لإدارة الجلسات، مهما اتسعت، لا ينبغي أن تتقدّم على احترام الدور الدستوري للمؤسسات الرقابية، أو تمسّ بهيبتها ومكانتها.
إن حماية المال العام لا تتحقق إلا بتكامل الأدوار لا بتصادمها، وبحوارٍ مسؤول لا بإجراءات متوترة، وبإعلاء المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات آنية. ومن هذا المنطلق، فإن ديوان المحاسبة يجب أن يبقى خطًا أحمر، يُصان دوره، ويُحترم ممثلوه، ويُستمع إلى تقاريره بجدية تليق بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.
خاتمة
إن ما جرى تحت القبة يستدعي قراءة مسؤولة تتجاوز الانفعال، دون أن تُفرّط في الثوابت. فديوان المحاسبة مؤسسة دستورية لا غنى عنها في منظومة حماية المال العام، واحترام دوره واستقلاله واجب وطني لا خلاف عليه. وفي الوقت ذاته، فإن إدارة الخلافات داخل البرلمان ينبغي أن تقوم على الحوار الهادئ والتكامل المؤسسي، بما يحفظ هيبة المجلس ويصون مكانة الجهات الرقابية معًا.
إن المرحلة تتطلب ترسيخ ثقافة التعاون لا التصادم، والمساءلة لا التأزيم، بما يعزز ثقة المواطنين، ويؤكد أن حماية المال العام تظل الهدف الأسمى الذي تتقاطع عنده جميع السلطات.















