نضال المجالي يكتب: اسمع كلامك أصدقك.. أشوف أفعالك أستغرب": رحلة استكشافية في عالم التناقضات الحكومية

بقلم: مراسل متجول في دهاليز المنطق (باحث متقاعد عن الإجابات المنطقية، ولا يجدها غالبًا)
في مملكتنا الأردنية الهاشمية، حيث الكلمات تتراقص كالفراشات والأفعال تسير بخطى السلحفاة (اللطيفة طبعًا، لا نريد إهانة السلاحف)، بزغ علينا تصريح نيابي من العيار الثقيل. سعادة النائب العوايشة، وبكل ما أوتي من فصاحة لسان وحكمة برلمانية، أطلق قنبلة صوتية مدوية في أروقة النقاشات الحكومية، قائلًا: "اسمع كلامك أصدقك.. أشوف أفعالك أستغرب".
يا له من تلخيص بليغ! يا له من وصف دقيق لحالة الضبابية التي تلف أحيانًا العلاقة بين ما يُقال وما يُفعل. تخيل معي عزيزي القارئ، أنك تستمع إلى قصيدة شعرية عذبة عن مكافحة الفساد، ثم تلتفت قليلًا فتجد أن القصيدة كُتبت على ظهر فاتورة مشبوهة! أليس هذا مدعاة للاستغراب على طريقة "أشوف أفعالك أستغرب"؟
الحكومة الرشيدة، كعادتها، تستقبل مثل هذه الانتقادات برحابة صدر... غالبًا. وقد تخرج علينا بتصريحات تؤكد حرصها الشديد على الشفافية والنزاهة ومحاربة الترهل الإداري، وهي بالمناسبة كلمات جميلة ومريحة للسمع، لدرجة أنك قد تغفو وأنت تستمع إليها. لكن عندما تفتح عينيك، قد تجد أن الترهل الإداري ما زال يمارس رياضة القفز العالي فوق القرارات الحكومية، والشفافية أصبحت تبدو وكأنها كائن أسطوري يُحكى عنه ولا يُرى.
لنأخذ مثالًا بسيطًا من حياتنا اليومية. قد تسمع عن خطط طموحة لتطوير البنية التحتية وتسريع وتيرة المشاريع. كلام جميل! ثم تخرج في جولة استكشافية في شوارع العاصمة، فتجد الحفريات تحتل الأرصفة منذ عصر الديناصورات، والإشارات المرورية تعمل بمنطق "يوم لك ويوم عليك"، والمشاريع "قيد التنفيذ" منذ افتتاح قناة السويس. هنا، يحق لك تمامًا أن تتمتم بـ "أشوف أفعالك أستغرب" بصوت خفيض كي لا تزعج السلحفاة التي تحمل لافتة "قريبًا نفتتح!".
لا شك أن الحكومة تبذل جهودًا جبارة... على الورق. التقارير تزخر بالإنجازات والأرقام القياسية في كل المجالات تقريبًا. لكن عندما تنزل إلى أرض الواقع، تشعر وكأنك في فيلم خيال علمي حيث كل شيء ممكن... وغير منطقي في نفس الوقت. تسمع عن تسهيلات للمستثمرين، ثم ترى المستثمر وهو يخوض سباق حواجز من الروتين والإجراءات المعقدة، لدرجة أنه قد يفكر جديًا في الاستثمار في كوكب آخر تكون فيه البيروقراطية أقل تطفلًا.
في الختام، لا يسعنا إلا أن ننضم إلى جوقة المستغربين ونرفع قبعاتنا (إن وجدت) تقديرًا لحدة ملاحظة سعادة النائب العوايشة. ونتمنى من صميم القلب أن تتحول الأقوال الجميلة إلى أفعال أجمل، وأن يصبح الاستغراب فعلًا نادرًا في قاموس حياتنا اليومية. وحتى ذلك الحين، سنظل نستمع بإنصات وننظر بدهشة... والله ولي التوفيق.
حفظ الله الاردن والهاشمين
المتقاعد العسكري نضال انور المجالي