الأمن الفكري ودوره في تعزيز الامن الوطني

بقلم الباحث المختص بالشؤون السياسية والاقليمية لافي العمارين
منذ نشوء البشرية وكغريزة في النفس الانسانية يسعى الانسان الى ما يحفظ حياته بشتى الطرق ويؤمن بقائها، وارتبط هذا السعي الى الطمأنينة والاستقرار بمدى فهم الانسان لما يدور في بيئته التي يعيش، مستخدما الفكر والعقل البشري في تحسس جوانب الامن التي تتطلبها حياته البشرية، فالإنسان يستخدم عقلة وفكرة ليميز بين مكامن الخطورة على حياتة وبين السبل والطرق التي تؤدي به الى بر الامان، من هذا المنطلق يصبح الفكر الفردي هو اللبنة الاساسية التي يرتكز عليها الفكر الجماعي لمجتمع ما حول المحافظة على البيئة الكلية لهذا المجتمع .
لقد أوضح رائد نظرية الأمن الفكري الاستاذ الدكتور حسن عبدالله الدعجة، بأن الأمن الفكري هو ضرورة ملحة لكل فرد في المجتمع والدولة، وهو يشارك بشكل أساسي في تطور الفكر السديد الوسطي المعتدل البعيد عن الغلو والتطرف في الاتجاهات والممارسات والافعال، بهذه الركيزة الاساسية نستيقن بأن أمن المجتمع هو مجموع افكار واتجاهات لمجموعة افراد تتبلور لتتهيأ على شكل فكر جمعي يسعى للحفاظ على أمن المجتمع وبيئته التي يعيش فيها، في هذا العصر اصبح الامن المجتمعي يعنى به مجتمع متكامل مترابط على بيئة جغرافية محددة ضمن كيان يسمى الدولة، فالامن الذي كان اساسا فكر فردي ثم امن مجتمعي يتحول في محاورة الى أمن وطني يعنى به كل من يقطن على اراضيها ويحمل جنسيتها .
يمثل الأمن الوطني الركيزة الاساسية التي تحفظ كيان الدولة من التهديدات والاخطار، ومع تعدد جوانب الامن الوطني الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، يبقى الأمن والاستقرار هو المصلحة العليا للدولة والمجتمع على حد سواء، أن الامن الوطني هو حصيلة وترجمة لفكر الافراد الذين يمثلون مواطنين الدولة، ويرتبط مفهوم الأمن الوطني بحجم الوعي الفكري الامني لأفراد الدولة، وبدرجة انتماء الفرد وولائه لبيئته التي تأويه، انتماء الأشخاص لوطنهم هو الفيصل في الحكم على درجة وطنيتهم للارض والمجتمع وتفاعلهم مع قضايا الأمة ضمن السياق العام لتركيبة المجتمع والدولة .
على النقيض من الامن الفكري يبرز مفهوم الانحراف الفكري والذي يعادي الامة والمجتمع، ويتساءل البعض عن مسببات الانحراف الفكري، فهو تراكم لعوامل عدة من أهمها الانجرار خلف أجندة تمتطي قضايا الامة لتحقيق أهدافها، يعزز هذا الانحراف الفهم الفردي الخاطئ لتعاليم الدين، وانسلاخ الفرد عن ارادة مجتمعه ودولته الجامعة،
يمثل ضعف الوعي للفرد الثغرة الاولى للأعداء للولوج من خلالها الى مجتمع معين لنيل منه، من خلال الاختراق الفكري لمجتمع ما يصور الاعداء لضحاياهم بأنه يمكن تحقيق ما يسعوا له بالخروج على ارادة المجتمع، والسير في اتجاه يناقض واقع بيئته، وبالتالي يصبح هذا الفرد او الجماعة اداة تنفيذ لإرادة الغير التي تسعى في أهدافها الى خلق صورة من عدم الاستقرار والفوضى ليتسنى للعدو تنفيذ مأربه بأيدي أبناء المجتمع نفسه، بقدر تأثير الأمن الفكري للفرد على المجتمع يبقى الدور الأكبر للمجتمع والدولة في تصحيح مثل هذا الفكر، ان غياب دور الاعلام في تعزيز ثقافة الامن لأفراد المجتمع، وضعف التشريعات التي تحد من هذا الفكر، واتباع سياسة القوة الناعمة لن تسهم الا في زيادة رقعة هذا الفكر، في وقت نحن بأمس الحاجة لرص الصف ومجابهة التحديات التي تعصف بالإقليم والمنطقة، حمى الله الوطن