اجتهاد مبين في انتخابات الصحفيين..بقلم الدكتور عبدالله الطوالبة
انتهيت في ال"بوست" الأخير أمس بشأن انتخابات الصحفيين الى القول بأن في هذه الانتخابات ما يستحق التأمل والقراءة. وقد تأكد ذلك في ضوء النتائج.
لعل أول ما يلفت النظر هو الصراع بين "القديم" و "الجديد"، الذي ربما يعبر عن نفسه بذينك الوضوح وبتينك الصورة للمرة الأولى. لقد حاول القديم يائسا خلط الأوراق لصالحه من خلال افشال النصاب يوم الجمعة 28 نيسان الفارط، ولما لم يكن بمقدوره الافلات من حكم القانون بعقد الاجتماع الثاني للهيئة العامة بمن حضر، فقد ألقى القديم بآخر ورقة في جعبته لتأجيل الانتخابات أو افشالها أو على الأقل تسهيل الطعن بها، من خلال رد التقريرين المالي والاداري. وما دراه أنه ربما عن يأس، وهو المرجح، أو عن غفلة، وهذا غير مستبعد، أو ربما عن عنجهية، وهذا وارد جدا، أنه ساهم بتكتل الجديد ضده وزاده تلاحما وشراسة في المعركة الانتخابية، كما تؤكد ذلك نتائج الانتخابات. ولكي أوضح مقصود القول بالجديد والقديم، فانني أعتمد هنا ثلاثة معايير رئيسة: أنماط التفكير ومنطلقاتها، الذهنية وتجلياتها العقلية في تناول الأمور، ثم الفارق العمري بين الأجيال. وهذا الأخير يأتي تأثيره بحكم طبائع الأمور وتوالي السنين، وان كان دوره ليس قطعيا في التفريق بين القديم والجديد. وبهذا الخصوص تحديدا، يؤسفني أن زملاء ترشحوا وأخفقوا، وقد كانوا ضحية ادراجهم في خانة القديم، مع أنهم بحكم معرفتي الطويلة بهم، لا غبار على مهنيتهم الرفيعة، وأنماط تفكيرهم العصرية. لكنهم "حشروا" في خانة القديم بحكم الاصطفافات الانتخابية المعلنة. ومنهم، حسب ما تيسر لي من معلومات، من دفع ثمن ممارسات بعص أنصارهم. وهذا ما لم يكن بمقدورهم التخلص منه، في أجواء انتخابية شديدة التنافس، وكل مرشح بحاجة للصوت والدعاية، ولا وقت لديه للتمييز بين قديم وجديد.
الجديد، متمثلا بالجيل الشاب، يقول بصراحة لا يشوبها لبس أو غموض: نحن هنا ومن حقنا أن نأخذ فرصتنا، ونعبر عن ذاتنا، وهو ما لا يمكن تجاهله في مجتمع شاب عموما، يمر مثله مثل المجتمعات العربية عموما بمرحلة انتقالية ومفصلية جديدة. ولا شك أن القوى صاحبة القرار تعي ذلك جيدا وتدركه، وبخاصة في ضوء ما يجري حولنا. فقد كان من خطايا القوى المتنفذة في بعض الدول الشقيقة، التعامي عن معطيات الواقع، وتجاهل مطالب الأجيال الشابة ووجودها. والنتيجة ها هي ماثلة بحقائقها المرة،لا تحتاج الى مزيد قول. في الأردن الأمر مختلف، وهذا أحد أبرز أسباب تجاوز الأردن لتداعيات ما يعرف بالربيع العربي بسلام. فالجيل الشاب، كما نلاحظ ونرى ونلمس، بدأ يفرض نفسه ويأخذ فرصته بالقدر الممكن، وبحكم طبائع الأشياء، وان كان ذلك ما يزال أقل من الطموح.
أما القديم، في انتخابات الصحفينن، فقد بدا تائها متلددا، كمحارب اجتاحه فجأة احساس بأنه في طريقه الى الهزيمة لا محالة. فاذا سألت أيا من رموزه عن قراءته لخارطة الانتخابات والتوقعات، همهم وغمغم، وان نطق، فأنت بحاجة الى ساحر لفك ألغاز ما ينتوي قوله. وان أبدى رأيا، فالبون بينه وبين الحقيقة، كما تجلى سطوعها في النتائج، كالمسافة بين كوكب زحل والكرة الأرضية. القديم، مسكون بمرحلة الأحكام العرفية بعد، وما تكلس في لاوعيه من أنماط تفكير بائسة، لأنه ما يزال يستصعب الاقتناع بأن الدنيا تغيرت وليس بمقدور أي كان وقف دولاب نواميسها. القديم، ما يزال مهجوسا بترسبات "نظرية المؤامرة" وتمظهراتها الأكثر بؤسا من أنماط تفكيره، والتي تعبر عن نفسها عادة بالايحاء والايماء بأن "كل شيء مرتب" و "الأمور مدوزنة".
تأسيسا على ما سبق، يمكن تفهم مجريات انتخابات الصحفيين ونتائجها برأيي المتواضع واجتهادي. ولا يضير القوى صاحبة القرار، حتى المحافظة منها، أن يأخذ الجيل الشاب فرصته في جسم كنقابة الصحفيين، ما تزال بعيدا عن التجاذبات السياسية والاجتماعية.
د.عبدالله الطوالبة