المأزق أخطر من أن يحل بقرارات اقتصادية فقط
عمر كلاب
القبة نيوز- كيف يمكن أن نحقق نتائج صحيحة, من ورش الإصلاح السياسية والاقتصادية, في مجتمع غير مُعد, للخروج من مفهوم الريعية السياسية والاقتصادية, وتتراجع لديه مفاهيم الصالح العام والعمل الجماعي, لصالح البناء الفردي والأنا القاتلة, وتتناحره الهويات الفرعية بكل تلاوينها وأصنافها, علماً بأننا موقنون أنه لا مجال للخروج من الحالة الراهنة, إلا بمشاريع إصلاحية جادة وشاملة ومسنودة بإرادة حقيقية وقدرة تنفيذية حاسمة.
نحن ببساطة نواجه حالة انفلات في المعايير والقيم, ولا نلتزم بأخلاقيات بناء الدولة التي نريد راسمين لها آلاف الصور في مخيلتنا واحاديثنا, بل نحن نناقض معظم ما نقول, نتوسط ونمارس الالتفاف على القوانين, وحتى طابور الخبز أو الوقود نحاول أن نتجاوزه, فكيف يُكتب النجاح لهذه الورش والبرامج؟ في ظل ضعف وشبه تلاشي الالتزام الخُلقي والاطار الضميري العام الذي يحكم المجتمعات عادة, بالإضافة إلى الوازع الديني والإنفاذ القانوني على الجميع, وهذه هي المؤشرات الأربعة التي اعتمدها العقل السياسي العام لوحدة البناء المجتمعي ونجاح الاصلاح وصولا الى دولة الرشاد والعدالة.
وفقاً للقياسات السابقة وتجارب النجاح التي عاشتها الدول القريبة من واقعنا وتتشابه وبناءنا الاجتماعي, فإننا نمتلك بنداً واحداً من بنود النجاح, هو بند «الملك المستنير", واستنارته لا تُفهم إلا فى ضوء أنه لا يعتبر نفسه أسير المجتمع الذي يحكمه، وإنما هو مصلح له، مستخدماً سلاح العقل وأدوات الإكراه المشروع التي تملكها الدولة, وهذا ما جعل فريدريك الثاني في روسيا، وجورج واشنطن في الولايات المتحدة، وأحمد بن طولون ومحمد علي في مصر أقوى من المجتمعات التي عاشوا فيه وكانوا إضافة لها حين غيروها.. وهو ما نحتاجه في الأردن الآن بوضوح.
نحتاج إلى مواءمة بين فقه المجتمع المحكوم للريعية في السياسة والاقتصاد, فهو يبحث عن مرشح من اطاره الاجتماعي اذا عجز عن وجود مرشح عشائري, وهو ما زال ينتظر زيارة المسؤول كي يتم تعبيد الشارع وتعيين الابناء العاطلين عن العمل, وينتظر تاجيل الاقساط البنكية قبل رمضان والاعياد وبداية المدارس وباقي الالتزامات الاسرية, لكنه ابدا لم يفكر في ترتيب الاولويات وموازنات الاسرة, والانتخاب الحزبي او البرامجي, وكل ذلك نحتاج ان نقلبه لمجرد وجود ورش إصلاح في السياسة والاقتصاد.
إن من واجبات الدولة أن تستوعب الازمات لتقضى عليها, وهنا استشهد بقصة مصرية كانت مفروضة علينا في مرحلة دراسية وهي «قنديل ام هاشم", الذي نجح بطل «قنديل أم هاشم» بحل مشكلة ايمان الناس في القرية بالخرافة ورفض العلم, بأن وضع العلاج الطبي السليم في زجاجات تشبه الزجاجات، التي كان يضع فيها المخرفون زيت القنديل وأوهم الناس، أو هكذا فعل، أنه يعالجهم بزيت القنديل. وحينما اطمأن الناس له، وللعلم الذى أتى به، وللعقل الذي يمثله، كان عليه أن يصارحهم بأن علاجه الموضوع في زجاجة الزيت ما هو إلا نتاج العلم والطب والعقل، وهكذا فإن للاصلاح بيئته التي تحترم العقل ابتداء، فمحاولة استخدام العلم فى علاج مشكلات مجتمع لا يحترم العلم الاجتماعي وثوابته السياسية, هي محاولة غير علمية بل وغير عقلانية فى حد ذاتها.
إذن فالعقل كمصدر للإلزام الخلقي ينبغي أن يقود المجتمع، لكنه لن يفعل إلا إذا حكم وساد وسيطر على أجهزة الدولة والمجتمع معاً حتى يواجه عقودا من التجريف والتسطيح والتصحر, فهل نمتلك الجرأة كي نصارح شعبنا بحجم التحول, بأننا يجب ان نتمتع بأخلاق الاصلاح وثقافته حتى ننجح, وهل يملك احد جرأة ان يقول اننا نتوجه الى الرأسمالية ولكننا لا نمتلك اشتراطاتها واخلاقها؟
لذلك اقول ان المازق أخطر من ان يُحل بلجان وقرارات فقط..
omarkallab@yahoo.com
الرأي
نحن ببساطة نواجه حالة انفلات في المعايير والقيم, ولا نلتزم بأخلاقيات بناء الدولة التي نريد راسمين لها آلاف الصور في مخيلتنا واحاديثنا, بل نحن نناقض معظم ما نقول, نتوسط ونمارس الالتفاف على القوانين, وحتى طابور الخبز أو الوقود نحاول أن نتجاوزه, فكيف يُكتب النجاح لهذه الورش والبرامج؟ في ظل ضعف وشبه تلاشي الالتزام الخُلقي والاطار الضميري العام الذي يحكم المجتمعات عادة, بالإضافة إلى الوازع الديني والإنفاذ القانوني على الجميع, وهذه هي المؤشرات الأربعة التي اعتمدها العقل السياسي العام لوحدة البناء المجتمعي ونجاح الاصلاح وصولا الى دولة الرشاد والعدالة.
وفقاً للقياسات السابقة وتجارب النجاح التي عاشتها الدول القريبة من واقعنا وتتشابه وبناءنا الاجتماعي, فإننا نمتلك بنداً واحداً من بنود النجاح, هو بند «الملك المستنير", واستنارته لا تُفهم إلا فى ضوء أنه لا يعتبر نفسه أسير المجتمع الذي يحكمه، وإنما هو مصلح له، مستخدماً سلاح العقل وأدوات الإكراه المشروع التي تملكها الدولة, وهذا ما جعل فريدريك الثاني في روسيا، وجورج واشنطن في الولايات المتحدة، وأحمد بن طولون ومحمد علي في مصر أقوى من المجتمعات التي عاشوا فيه وكانوا إضافة لها حين غيروها.. وهو ما نحتاجه في الأردن الآن بوضوح.
نحتاج إلى مواءمة بين فقه المجتمع المحكوم للريعية في السياسة والاقتصاد, فهو يبحث عن مرشح من اطاره الاجتماعي اذا عجز عن وجود مرشح عشائري, وهو ما زال ينتظر زيارة المسؤول كي يتم تعبيد الشارع وتعيين الابناء العاطلين عن العمل, وينتظر تاجيل الاقساط البنكية قبل رمضان والاعياد وبداية المدارس وباقي الالتزامات الاسرية, لكنه ابدا لم يفكر في ترتيب الاولويات وموازنات الاسرة, والانتخاب الحزبي او البرامجي, وكل ذلك نحتاج ان نقلبه لمجرد وجود ورش إصلاح في السياسة والاقتصاد.
إن من واجبات الدولة أن تستوعب الازمات لتقضى عليها, وهنا استشهد بقصة مصرية كانت مفروضة علينا في مرحلة دراسية وهي «قنديل ام هاشم", الذي نجح بطل «قنديل أم هاشم» بحل مشكلة ايمان الناس في القرية بالخرافة ورفض العلم, بأن وضع العلاج الطبي السليم في زجاجات تشبه الزجاجات، التي كان يضع فيها المخرفون زيت القنديل وأوهم الناس، أو هكذا فعل، أنه يعالجهم بزيت القنديل. وحينما اطمأن الناس له، وللعلم الذى أتى به، وللعقل الذي يمثله، كان عليه أن يصارحهم بأن علاجه الموضوع في زجاجة الزيت ما هو إلا نتاج العلم والطب والعقل، وهكذا فإن للاصلاح بيئته التي تحترم العقل ابتداء، فمحاولة استخدام العلم فى علاج مشكلات مجتمع لا يحترم العلم الاجتماعي وثوابته السياسية, هي محاولة غير علمية بل وغير عقلانية فى حد ذاتها.
إذن فالعقل كمصدر للإلزام الخلقي ينبغي أن يقود المجتمع، لكنه لن يفعل إلا إذا حكم وساد وسيطر على أجهزة الدولة والمجتمع معاً حتى يواجه عقودا من التجريف والتسطيح والتصحر, فهل نمتلك الجرأة كي نصارح شعبنا بحجم التحول, بأننا يجب ان نتمتع بأخلاق الاصلاح وثقافته حتى ننجح, وهل يملك احد جرأة ان يقول اننا نتوجه الى الرأسمالية ولكننا لا نمتلك اشتراطاتها واخلاقها؟
لذلك اقول ان المازق أخطر من ان يُحل بلجان وقرارات فقط..
omarkallab@yahoo.com
الرأي