facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

نضال أنور المجالي يكتب… من قعر التفاهة إلى قمة الترند: حكاية "بطل" زماننا!

نضال أنور المجالي يكتب… من قعر التفاهة إلى قمة الترند: حكاية بطل زماننا!
نضال أنور المجالي - في زمن "الترند"  و"البوست" العابر، حيث تتراقص الحقائق على أنغام لوحة المفاتيح، وتتحول الأكاذيب إلى "هاشتاغات" وطنية، ظهر لنا فارس جديد، أو بالأحرى، "بطل" من طراز فريد! بطلنا هذا ليس كغيره من الأبطال الخارقين الذين يرتدون أقنعة العدالة، بل هو يرتدي قناع التفاهة المطرز بخيوط الكذب، ويحمل سيف المصالح الشخصية المتوهج.
دعوني أقدم لكم "أبو شنب" (اسم مستعار بالطبع، فالبطل الحقيقي لا يحتاج لاسم لكي تلمع نجوميته المزيفة!). كان أبو شنب قبل أشهر قليلة مجرد كائن رقمي يتجول في الفضاء الأزرق، يقتات على "اللايكات" المنسية، و"الشير" المهجور، وقليل من "الكومنتات" التي لا تعني شيئًا. فيديوهاته كانت عبارة عن خليط غريب من النصائح الحياتية التي لم يطبقها على نفسه يومًا، وتحليلات سياسية يظن أنها ستغير وجه العالم، بينما هي بالكاد تغير مزاج قطته.
تحول غير متوقع
ولكن، يا إلهي، كيف تتغير الأحوال! ذات يوم، قرر أبو شنب أن يخوض مغامرة "البطولة الافتراضية". وجد قضية بسيطة، لم تكن قضية وطن أو شعب، بل كانت قضية شخصية بحتة تتعلق بمصلحته المباشرة. ولكن، بلمسة عبقرية من التزييف الإعلامي وبعض "الفوتوشوب" على الواقع، تحولت قضيته الشخصية إلى "قضية وطنية مصيرية"، وحمل هو لواء الدفاع عنها. صرخ، تباكى، لوح بيديه في الهواء، وتحدث عن المؤامرات الكيبرية التي تستهدف "شعبنا الأبي" (الممثل في شخصه الكريم).
شهرة زائفة ومصالح شخصية
وبينما كانت الكاميرا تصور دموعه التماسيح، وعضلات وجهه التي تتشنج من فرط التمثيل، انطلقت الشرارة! "هاشتاغ" يليه "هاشتاغ"، ومقطع فيديو يليه مقطع، وصار اسم "أبو شنب" يتردد في كل مكان. أصبح الشاب التافه، الذي لا يمتلك من الوطنية سوى شعارات رنانة يقتبسها من ويكيبيديا، أيقونة للصمود والنضال! يا لها من مهزلة! أصبح يُستضاف في البرامج الحوارية، يتحدث عن "تضحياته الجسام"، بينما تضحيته الوحيدة كانت في ساعات نومه القليلة التي قضاها في صناعة المحتوى السخيف.
أبو شنب هذا، الذي كان بالأمس القريب يبحث عن "واي فاي" مجاني في المقاهي، صار اليوم "بطلًا قوميًا" تُرفع له القبعات وتُلقى على مسامعه قصائد المديح. وبينما كان يهتف بـ"الموت من أجل الوطن"، كان يفكر سرًا في سعر الإعلان الذي سيحصل عليه من تلك الشركات التي تهافتت عليه بعد أن أصبح "ترند". يا له من مفارقة! الوطن في كفة، والحساب البنكي في كفة أخرى، و"أبو شنب" يرقص على الحبلين ببراعة.
تساؤلات حول البطولة الحقيقية
ولكن دعونا لا ننسى، أن في كل كوميديا سوداء، هناك جانب مضيء. هذا الصعود الصاروخي لأبو شنب يُجبرنا على التساؤل: هل أصبحنا نُقيّم الأشخاص بمقدار "الضجيج" الذي يُحدثونه، لا بمقدار "الفعل" الذي يُقدمونه؟ وهل باتت "البطولة" مجرد عنوان لفيديو فيروسي، أم أنها لا تزال تكمن في صمت المخلصين، وعمل الجادين؟
ربما سيأتي يوم يكتشف فيه الجميع أن "بطلهم القومي" لم يكن سوى فقاعة صابون جميلة، تلمع وتتوهج ثم تنفجر في وجه الحقيقة القاسية. ولكن حتى ذلك الحين، فلنستمتع بالمسرحية الهزلية، ولنصفق للبطل المزيف، ولنحمد الله أن في كلمات السخرية نجد بعض العزاء، وبعض الأمل في أن ينتهي هذا "الترند" قريبًا، ويعود لكل ذي حق حقه، ولكل تافه تفاهته.
نضال أنور المجالي
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير