البطاينة يكتب : قراءة في ماضينا وحاضرنا الحزبي
نضال فيصل االبطاينة
القبة نيوز- من وجهة نظري ، و قد يتفق، و يختلف معي كثيرون، أن الأحزاب هي مفتاح الإصلاح و التقدم، والتطور السياسي ، فلا إصلاح سياسي، ومن ثم اقتصادي، واجتماعي، وإداري دون أحزاب.
الى متى سنبقى عالقين امام السؤال الاردني الحرج ... كيف عين فلان وزيرا ؟ و كيف تتم إقالة الوزراء، و الحكومات ايضا ؟ ولماذا نسبة التصويت في الإنتخابات متدنية ، و لا تتجاوز ال ٣٠٪ فما مادام معيار، و قاعدة الاختيار لرئيس الحكومة، و الوزير غير سياسية، و حزبية ، و في ظل عدم وجود أحزاب قوية في الاردن، سنبقى في الاردن غارقين في التيه السياسي ، و التخبط في ازمة حكومات متراكمة، ومتتالية ، و عدم ثقة شعبية ، وانفصام سياسي .
آن الأوان لتولد حكومات من رحم الشعب
والاصلاح السياسي : هو - ابو الاصلاحات- فلا اصلاح اقتصادي، وإداري، وإجتماعي دون اصلاح سياسي... نعم ، اصلاح يعيد انتاج مفاهيم وافكار حول الدولة، و المواطن ، و السلطة
و العدالة، و الحكم ، و المجتمع ، و ثورة في المنظومة الاجتماعية ، والسياسية ، و المؤسساتية، والاقتصادية.
أنا من جيل السبعينات ، وأخالني أنني قاريء ومستمع جيد للتاريخ، و السياسة، و متابع فضولي للشأن الاردني و العربي .. . و عشت كما جيلي حاضر وطني . و اعمل اليوم جاهدا على تخيل مستقبل وطني و استشرافه حسب المعطيات المتاحة، و الممكنة، و الطموحات المشروعة ، نعم الطموحات في مملكة أردنية هاشمية ديموقراطية تعددية معتمدة على الذات، أقوى اقتصاديا، واجتماعيا ، وسياسيا ، ومؤسسيا.
في تاريخ الاحزاب الاردنية ، كان لدينا قديما احزاب قوية . ولكنها لم تكن وليدة لصناعة وطنية _و لا اقصد هنا انه كان لها اجندات ضد البلد _ . ولكن اقصد انها لربما كانت تتقاطع مع شقيقاتها من الاحزاب في المشروع السياسي
و الايدولوجي، و المرجعية التنظيمية في دول اخرى ، مثل الحزب الشيوعي ...
ومن المأخذ على تلك الاحزاب الشمولية
و العقائدية انها لم تلتفت الى الاقتصاد والاجتماع ، والادارة، و من غير المقبول هنا لومها على ذلك ، فهي لم تستطع ولم يكن لها أمل في الوصول الى الحكومات ليكون مطلوب منها برامج.
وأما الراهن الحزبي في الاردن، فما اعلمه ان عدد الاحزاب قد تجاوز 50_60 حزبا ، وشخصيا لا اذكر منها الا أسماء ثلاثة أحزاب على الاكثر، وأما في تقييم الاثر الحزبي على حياة المواطن، و قناعته السياسية فاعتقد انه معدوم اطلاقا.
اعرف ان صورة الاحزاب في الراهن الاردني سلبية ... و ان الاحزاب لا اثر لها في السياسة الاردنية ... و للاسف فان الغالبية العظمى من الاحزاب ايضا مربوطة باشخاص و ليس مجموعات مؤطرة ، حتى اصبح من دارج القول (حزب فلان) بدلا من اسم الحزب ، و ناهيك ان الأحزاب لا تملك مشاريع برامج واقعية وقابلة للتطبيق لحل مشاكلنا العامة .
و في تشخيص المشهد الحزبي الاردني هناك نظرة شبه مشتركة بأن الاخوان المسلمين هم الحزب الوحيد و اليتيم المنظم على الساحة الاردنية ، ولذلك أسباب موضوعية، وتاريخية
و بالطبع منها ما هو مرتبط بتفرد الاخوان المسلمين ، و خلو الساحة السياسية لهم ، و ذلك خلال الستينات، و السبعنيات من القرن المنصرم، و كان الاخوان المسلمين هم اللاعبون الوحيدون على الساحة الاردنية ،وقد منحوا الضوء الاخضر و المساحة الهائلة ليتفردوا في المشهد السياسي حينذاك .
و من هنا اسدي نصحا سياسيا للقائمين الآن على اي مشروع حزبي مستقبلي بعدم وضع مقاومة الاخوان المسلمين نصب اعينهم وهدفا لهم، وانما من الواجب و الحكمة التعلم من تجاربهم السياسية من جهة ، وتفادي اخطائهم من جهة أخرى.
من دورس الاخوان المسلمين السياسية
و الاجتماعية انهم يعلمون كيف يشبكون مجتمعيا. ولكن على طريقة أعطني سمكة ، وما نحتاجه حاليا هي طريقة "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد". وما يعني اننا نحتاج الى بناء سياسات، وبرامج لإنشاء، وتطوير حاضنات الاعمال للشباب مثلا ، لتمكينهم من الإنطلاق قدما باستقلالية نحو المستقبل ، وهذا في تقديري الانساني البسيط أهم من "الطرد الغذائي " الذي سينفذ بعد أيام مع انه مقدر.
ومن تجربتي السياسة كوزير،فان الاخوان ينجحوا في ابراز وجهوهم المشرقة أمام العلن. ولا أذكر انني انسجمت عمليا مع نائب عندما كنت وزيرا بقدر النائب ديمة طهبوب مثلا ، فهي شخصية مصغية ومثقفة ومرنة ، لكني قابلت الكثيرين من الاخوان الذين يختلفون عن ديمة في طريقة الحوار ، والاصغاء ،والدبلوماسية ،وقبول الأخر.
وكما ان تجربة الاخوان المسلمين السياسية ، ومشروعهم السياسي على حد علمي يفتقر الى وجود برامج بديلة قابلة للتطبيق في كافة مجالات الحياة العامة كالمياه، والنقل، والطاقة ... الخ فالنقد، و جلد الحكومات و السياسات العامة سهل، و بسيط، والكلاشيهات جاهزة ومكررة . ولكن وضع البرامج البديلة
و الحلول، والعمل عليها ليس بذات السهولة.
الاخوان المسلمون لهم مالهم، وعليهم ما عليهم ، فانا استشهدت بتجربة الاخوان الحزبية كمثال لانه النموذج الوحيد الذي يمكنني ان اقيس عليه .
ولكن في الوقت نفسه يحسب لهم مشاركتهم بروح عالية في لجنة تحديث المنظومة السياسية . فمن حقهم كحزب وطني ذو اجندة اردنية بحتة أن يكونوا من الاربعة أو الخمسة أحزاب القوية التي تتنافس وفق منظومة ديموقراطية تعددية حسب رؤى سيد البلاد حفظه الله، وتطلعات المواطن.
خلاصتي من كل هذا الحديث ، هي أن أحزابنا في الماضي، والحاضر جميعها دون استثناء لن تحدث فرقا سياسيا الا اذا غيرت طريقة عملها وتعاطيها مع الواقع، وانتجت سياسات، وبرامج قابلة للتطبيق لحل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، والادارية .
هذه المشاريع البرامحية هي الوصفات التي ستخرجنا من مشكلتنا الاقتصادية الخانقة ومن مشكلة البطالة المزمنة ، وهي التي ستوقف تراجعنا في كثير من المجالات ، ومن ابرزها التعليم، والصحة، والمواصلات ، والبنى التحتية، ناهيك عن ترهل، وتردي القطاع العام .
في مقالي القادم، سوف اطرح وجهة نظري المتواضعة، وخبرتي في مجال ادارة التخطيط الإستراتيجي، والأداء المؤسسي (السياسات والبرامج المطلوبة من الاحزاب ) . و سأتطرق ، وحسب وجهة نطري، و رأيي المتواضع الى المواصفات، وآليات العمل السياسي، و التنظيمي والبرامجي المتطلب وجودها بأحزاب المستقبل من الناحية الهيكلية، والبرامجية ،وذلك لنستطيع انتاج حكومات برلمانية، و حزبية ، وتكون من "الشعب وللشعب" ، ومحاسبة، و مساءلة من الشعب ايضا ، و حسب رؤى سيد البلاد وتطلعات شعبه.
حمى الله الأردن أرضا وشعبا ، وقيادة.