الإعتداءات على رجال الشرطة
الدكتور عديل الشرمان
القبة نيوز- يتابع روّاد مواقع التواصل
الاجتماعي بقلق واستهجان ما يحدث من اعتداءات على رجال الشرطة أثناء تأديتهم
لواجباتهم، اعتداءات متكررة بين فترة وأخرى ذات طعم يثير اللوعة في النفس، وكاد
المشهد أن يصبح مألوفا، وأنت تشاهد ما يجرى تشعر 'غصبا عنك' بغصة وكأنك أنت من
يعتدى عليه، لأنه إن لم يكن رجل الشرطة في مأمن من الاعتداء، وهو المكلف قانونا
بحماية المواطنين ومنع الاعتداء عليهم، سيشعر المواطنون أنهم يفتقدون إلى الحماية،
وتتراجع ثقتهم بدور رجل الشرطة، وتتأثر صورته في أذهانهم، وتزداد ضبابية وسلبية،
ويعزفون عن التعاون والتعامل معه، وبذلك يفقد جهاز الشرطة ركيزة أساسية من ركائز
عمله.
رجل الشرطة هو من
يرسم هيبة الدولة في ذهنية المواطن، ولا يمكن الحديث عن أحدهما بمعزل عن الآخر،
وتتحصل الدولة على هيبتها بعد أن تنجح الدولة في التطبيق الصارم للقانون وفرض
احترامه وهو ما اصطلح على تسميته سيادة القانون، ويتحصل رجل الشرطة على هيبته بعد
أن ينجح في تنفيذ القانون وفق قواعد عصرية حديثة، واعتبارات إنسانية، وباستخدام أحدث
التقنيات في مجالات العمل الشرطي.
إن أفضل الطرق للحد من
الاعتدءات المتكررة على رجال الشرطة تتمثل في الاعتماد على أفضل الطرق والأساليب
المستخدمة في فن التعامل مع الأحداث والقضايا بعيدا عن القمع والقسوة، واستفزاز
الآخرين، وبالإستناد إلى قوة القانون وحدود الصلاحيات المعطاة الى رجل الشرطة في
التعامل مع أي اعتداء يقع عليه أو غيره من المواطنين، مراعيا طرق واساليب الإقناع
والردع المشروع، وليس بواسطة الإكراه التعسفي والقوة المفرطة أو الشطط أو المبالغة
في استعمال السلطة التي خوله القانون اياها.
تستطيع الدولة أن
تنجح في تعزيز هيبتها وهيبة رجل الشرطة اذا وضعت كافة المواطنين في كفة ميزان
واحدة، وسوف تنجح إلى حد كبير في تحقيق ذلك حين تبدأ بتطبيق القانون على كبار
المسؤولين عندما يحدث خرق أو تجاوز للقانون، دون تستر على ما يحدث، أو محاولة
تضليل الرأي العام، أو اللعب على وتر الوقت بهدف اضعاف الرأي العام تجاه القضايا
والأحداث المختلفة.
ربما يجري أحد المتنفذين أو
المسؤولين اتصالا واحدا يكون كفيلا بإنهاء وطي ملف قضية الاعتداء على رجال الشرطة
ليفلت المعتدي من العقاب، وهذا يشكل حافزا لغيره لتكرار مثل هذا السلوك الجرمي.
ما يحدث لرجال الشرطة من
اعتداءات ليست مؤشرا على ضعفهم، ولا انتقاصا من قدراتهم، وإنما ما يحدث لهم ما هو
الا مرآة تعكس سياسات الدولة، وطريقتها وأسلوبها في التعامل مع مختلف الملفات
والقضايا، وذلك أيضا انعكاس لمنظومة القيم والأخلاق في المجتمع، وربما لخلل فردي
يشوب أداء البعض منهم في بعض الأحيان.
إذا كان رجل الشرطة
وهيبة الدولة يمثلان وجهان لعملة واحدة، فليس من هيبة رجل الشرطة أن يمارس واجبه
بمزاجية وانتقائية، أو بتحيز وتمييز، ويجب أن يبقى عفيف اللسان ونظيف اليد والفرج،
كما أنه ليس من هيبةٍ الدولة حين تمارس دورها التغول على المجتمع، فتسلب حرية وكرامة
مواطنيه باسم الحفاظ على الأمن، وحين تستعرض عضلاتها باستخدامها لأساليب ومقاربات
أمنية خاطئة في معالجة المشكلات ومختلف الاختلالات والظواهر الأمنية والجرمية.
إن أكثر ما يؤثر على هيبة
الدولة أن يفقد المواطن ثقته في مؤسساتها، أو يشك في سياساتها وقراراتها، وعندما
تُنتهك الحرمات على مرأى منها وفي حضرتها، وحين يفلت لصوص المال العام والمتنفذين
من العقاب، عندها تصبح الاعتداءات على رجال الشرطة نتيجة للاحتقان وترجمة لسيكولوجية
المواطن المحبط.
يجب أن يكون في
صدور ونفوس المواطنين كبارا وصغارا، الواصلين والموصولين، السوبر والعادي، الأسوياء
منهم والمجرمين رهبة القانون، والخوف منه، حينها نتحدث عن تراجع الاعتداءات التي
يتعرض لها رجال الشرطة، وهم الذين يواصلون الليل بالنهار كي يعيش المواطن بهدوء
وأمان، والذين يستحقون منا كل يوم قبلة على جبين كل واحد منهم، وأن أي اعتداء
يتعرضون إليه هو اعتداء مرفوض جملة وتفصيلا.
الاعتداءات على رجال الشرطة
بغير حق هي موضع استنكار وشجب، وهي مرفوضة ومنبوذة في كل الشرائع والأديان
السماوية والأرضية، حتى في شريعة الغاب.