المعشر يكتب: استراتيجية الدولة الاردنية
د. مروان المعشر
إعادة تعريف المصلحة الوطنية من خلال منظور سياسي يكتنفه الغموض.
القبة نيوز- يمر الأردن اليوم في واحدة من أحلك الأوقات سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً. ولا مناص من الادراك اننا ندخل اليوم مرحلة جديدة تتطلب وضوح الرؤية المستقبلية الشاملة والتخطيط الاستراتيجي المتكامل للتعامل مع متغيرات وتحديات المستقبل. لا يسع المرء إلا الشعور اليوم إما بعدم وجود سياسة وطنية أردنية شاملة ومتكاملة، أو غياب الشفافية والحوار وآليات العلاقة بين المجتمع والدولة، بحيث تبدو العديد من القرارات الحالية إما متخذة بالقطعة، أو متقاطعة ومتناقضة مع العديد من السياسات المعلنة للدولة الأردنية.
في مجال العلاقة مع اسرائيل، تتمثل السياسة المعلنة والحميدة للدولة الأردنية بالوقوف ضد صفقة القرن باعتبارها مقدمة لحل الصراع العربي الاسرائيلي على حساب الأردن. وقد نجح الأردن في الوقوف ضد هذه الصفقة رغم ما ترتب معه من تدهور للعلاقة مع البيت الابيض. تبعاً لذلك، وفي ضوء الادراك الأردني الواضح بأن اسرائيل تعمل على المدى القصير كما الطويل ضد المصلحة الوطنية الأردنية، يُصبح من الصعب فهم الاتفاقية الأخيرة لتبادل المياه مع الكهرباء وبرعاية إماراتية غير مفهومة أيضاً. هل الحاجة لتصدير الكهرباء واستيراد المياه تُبرر وضع قطاع المياه الحيوي، كما وُضع قطاع الطاقة قبله، في يد دولة يُقر صانع القرار الأردني بأنها تعمل ضد المصلحة الأردنية؟ هل هذا إجراء مؤقت لدرء الخطر الاسرائيلي ريثما تأتي حكومة اسرائيلية جديدة تكون أكثر جدية بالنسبة للعملية السلمية؟ وهل نعتقد حقاً بأن العملية السلمية والعمل من أجل تحقيق حل الدولتين يحظى بأي أولوية حتى وإن جاء "لابيد" لرئاسة الحكومة الاسرائيلية؟ هل من الحكمة السماح لإسرائيل بالتأثير ولو جزئياً في اثنين من أهم القطاعات الحيوية للبلاد؟ وهل حل مشكلة المياه والطاقة في الأردن لا يتم الا من خلال اسرائيل؟ هل وُضعت استراتيجيات بديلة لهذين القطاعين لا تعتمد على من لا يضمر الخير للأردن؟ ألا يُمكن تحلية المياه باستخدام الفائض من الكهرباء على الأرض الأردنية؟
هذه وغيرها أسئلة مشروعة تدور في خلد المواطن الأردني، وعلى السلطة التنفيذية شرحها لتفريغ احتقانات الشارع والتخفيف من أزمة الثقة. فإن كانت هناك أسباب مقنعة للسواد الأعظم من المواطنين الذين لا يفهمون هذه القرارات، لا بل يُعارضونها، فالأولى للحكومة أن تشرحها، وتُفسر كيف يتم التوفيق بين معارضة صفقة القرن، وبين هذا التقارب الاقتصادي غير المفهوم مع اسرائيل. لن تُجدي سياسة التغاضي عن شرح هذه التناقضات، بل انها مقلقة للغاية، وبخاصة ونحن نتكلم عن مرحلة انفتاح سياسي لا بد أن تخرج فيها هذه الأسئلة للعلن وأن تُقدم إجابات مقنعة لها.
بالتوازي مع مرحلة الانفتاح السياسي والانتقال نحو برلمانات وحكومات حزبية، نلحظ أيضاً العديد من القرارات التي تبدو غير متوافقة مع هذه المرحلة أو مع مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. ولعل الاعلان عن انشاء مجلس للأمن القومي واحد من هذه القرارات. لم تُقدم الحكومة حتى الآن شرحاً مقنعاً للغاية من إنشاء هذا المجلس. فإن كان الهدف من انشائه تنسيق السياسات بين كافة أذرع السلطة التنفيذية وتقديم خلاصة التوصيات من مختلف هذه الأذرع لصانع القرار حتى يتمكن من اتخاذ القرار السليم المبني على النظر لأي موضوع من كافة زواياه وليس من زاوية واحدة، فإن في انشاء هذا الجسم فائدة لصانع القرار والدولة الأردنية. اما إن كان الهدف هو الالتفاف على الولاية العامة للحكومة وعكس بعض قراراتها وذلك "منعاً للتجاذبات الحزبية"، ففي ذلك تناقض واضح مع الهدف المعلن للدولة الأردنية في تعميق الديمقراطية الأردنية من خلال أحزاب تستلم أو تترك السلطة بناء على الارادة الشعبية. فهل تنادي الحكومة بتعميق الديمقراطية من جهة، ثم تخلق العراقيل لكبحها من جهة أخرى؟ مرة أخرى، في غياب الشرح الوافي والمقنع لهذه القرارات، ولإستراتيجية أردنية واضحة في مجال الانفتاح السياسي، تُترك الساحة لنظريات المؤامرة التي لا بد أن تصول وتجول دون أجوبة شافية من الحكومة.
أما في المجال المجتمعي، فلا زلت أعجب لنظريات المؤامرة التي تدور حول مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، وأستغرب أيضاً التأويلات التي نسمعها حول علاقة هذا المصطلح مع وجود مخطط لتوطين الفلسطينيين في الأردن. ألا تستطيع الدولة الأردنية الخروج بموقف واضح وعلني يرفض التوطين من جهة، ويتشبث بالدستور، من جهة أخرى، وقد جاءت المادة السادسة منه جامعة لكل مكونات المجتمع الأردني الاثنية والدينية؟ لماذا يُترك هذا الجدل الذي شهدناه في الآونة الأخيرة دون ايضاح شافي لهذه المفاهيم؟ وهل باتت الحكومة غير قادرة عن الدفاع عن الدستور والقول إن هويتنا أردنية وطنية بامتياز وجامعة بالفعل منذ منشأها في وقت نحن أحوج فيه ما نكون للالتفاف حول بعضنا بعضاً ضد أي مشروع صهيوني يستهدف الوجود الأردني.
نحن في مرحلة سياسية واقتصادية جديدة، بات فيها واضحاً أن الاعتماد على المصادر المالية الخارجية غير مستدام. وبات واضحاً أيضاً أن علاقات الأردن مع حلفائه التقليديين تشوبها تحديات عدة، بما يُحتم عدم امكانية المبالغة في الاعتماد على هذه التحالفات، كما كان الحال سابقاً، أو ربما البحث عن تحالفات جديدة. نحن في مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي الاعتماد على الذات. لكن ركائز هذا الاعتماد هي بالضرورة انفتاح سياسي واثق لا يتقدم خطوة ويتراجع خطوات، واستراتيجية اقتصادية تُعظم الانتاجية دون الاعتماد على اسرائيل بأي شكل من الاشكال، واستراتيجية وطنية متكاملة متصالحة مع نفسها بالتوازي مع مصارحة ومكاشفة حقيقية مع الناس. لا يمكن إعادة تجسير الفجوة بين المواطن والدولة أو معالجة تحدياتنا المصيرية بغير ذلك.
كارنيغي للشرق الأوسط
القبة نيوز- يمر الأردن اليوم في واحدة من أحلك الأوقات سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً. ولا مناص من الادراك اننا ندخل اليوم مرحلة جديدة تتطلب وضوح الرؤية المستقبلية الشاملة والتخطيط الاستراتيجي المتكامل للتعامل مع متغيرات وتحديات المستقبل. لا يسع المرء إلا الشعور اليوم إما بعدم وجود سياسة وطنية أردنية شاملة ومتكاملة، أو غياب الشفافية والحوار وآليات العلاقة بين المجتمع والدولة، بحيث تبدو العديد من القرارات الحالية إما متخذة بالقطعة، أو متقاطعة ومتناقضة مع العديد من السياسات المعلنة للدولة الأردنية.
في مجال العلاقة مع اسرائيل، تتمثل السياسة المعلنة والحميدة للدولة الأردنية بالوقوف ضد صفقة القرن باعتبارها مقدمة لحل الصراع العربي الاسرائيلي على حساب الأردن. وقد نجح الأردن في الوقوف ضد هذه الصفقة رغم ما ترتب معه من تدهور للعلاقة مع البيت الابيض. تبعاً لذلك، وفي ضوء الادراك الأردني الواضح بأن اسرائيل تعمل على المدى القصير كما الطويل ضد المصلحة الوطنية الأردنية، يُصبح من الصعب فهم الاتفاقية الأخيرة لتبادل المياه مع الكهرباء وبرعاية إماراتية غير مفهومة أيضاً. هل الحاجة لتصدير الكهرباء واستيراد المياه تُبرر وضع قطاع المياه الحيوي، كما وُضع قطاع الطاقة قبله، في يد دولة يُقر صانع القرار الأردني بأنها تعمل ضد المصلحة الأردنية؟ هل هذا إجراء مؤقت لدرء الخطر الاسرائيلي ريثما تأتي حكومة اسرائيلية جديدة تكون أكثر جدية بالنسبة للعملية السلمية؟ وهل نعتقد حقاً بأن العملية السلمية والعمل من أجل تحقيق حل الدولتين يحظى بأي أولوية حتى وإن جاء "لابيد" لرئاسة الحكومة الاسرائيلية؟ هل من الحكمة السماح لإسرائيل بالتأثير ولو جزئياً في اثنين من أهم القطاعات الحيوية للبلاد؟ وهل حل مشكلة المياه والطاقة في الأردن لا يتم الا من خلال اسرائيل؟ هل وُضعت استراتيجيات بديلة لهذين القطاعين لا تعتمد على من لا يضمر الخير للأردن؟ ألا يُمكن تحلية المياه باستخدام الفائض من الكهرباء على الأرض الأردنية؟
هذه وغيرها أسئلة مشروعة تدور في خلد المواطن الأردني، وعلى السلطة التنفيذية شرحها لتفريغ احتقانات الشارع والتخفيف من أزمة الثقة. فإن كانت هناك أسباب مقنعة للسواد الأعظم من المواطنين الذين لا يفهمون هذه القرارات، لا بل يُعارضونها، فالأولى للحكومة أن تشرحها، وتُفسر كيف يتم التوفيق بين معارضة صفقة القرن، وبين هذا التقارب الاقتصادي غير المفهوم مع اسرائيل. لن تُجدي سياسة التغاضي عن شرح هذه التناقضات، بل انها مقلقة للغاية، وبخاصة ونحن نتكلم عن مرحلة انفتاح سياسي لا بد أن تخرج فيها هذه الأسئلة للعلن وأن تُقدم إجابات مقنعة لها.
بالتوازي مع مرحلة الانفتاح السياسي والانتقال نحو برلمانات وحكومات حزبية، نلحظ أيضاً العديد من القرارات التي تبدو غير متوافقة مع هذه المرحلة أو مع مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. ولعل الاعلان عن انشاء مجلس للأمن القومي واحد من هذه القرارات. لم تُقدم الحكومة حتى الآن شرحاً مقنعاً للغاية من إنشاء هذا المجلس. فإن كان الهدف من انشائه تنسيق السياسات بين كافة أذرع السلطة التنفيذية وتقديم خلاصة التوصيات من مختلف هذه الأذرع لصانع القرار حتى يتمكن من اتخاذ القرار السليم المبني على النظر لأي موضوع من كافة زواياه وليس من زاوية واحدة، فإن في انشاء هذا الجسم فائدة لصانع القرار والدولة الأردنية. اما إن كان الهدف هو الالتفاف على الولاية العامة للحكومة وعكس بعض قراراتها وذلك "منعاً للتجاذبات الحزبية"، ففي ذلك تناقض واضح مع الهدف المعلن للدولة الأردنية في تعميق الديمقراطية الأردنية من خلال أحزاب تستلم أو تترك السلطة بناء على الارادة الشعبية. فهل تنادي الحكومة بتعميق الديمقراطية من جهة، ثم تخلق العراقيل لكبحها من جهة أخرى؟ مرة أخرى، في غياب الشرح الوافي والمقنع لهذه القرارات، ولإستراتيجية أردنية واضحة في مجال الانفتاح السياسي، تُترك الساحة لنظريات المؤامرة التي لا بد أن تصول وتجول دون أجوبة شافية من الحكومة.
أما في المجال المجتمعي، فلا زلت أعجب لنظريات المؤامرة التي تدور حول مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، وأستغرب أيضاً التأويلات التي نسمعها حول علاقة هذا المصطلح مع وجود مخطط لتوطين الفلسطينيين في الأردن. ألا تستطيع الدولة الأردنية الخروج بموقف واضح وعلني يرفض التوطين من جهة، ويتشبث بالدستور، من جهة أخرى، وقد جاءت المادة السادسة منه جامعة لكل مكونات المجتمع الأردني الاثنية والدينية؟ لماذا يُترك هذا الجدل الذي شهدناه في الآونة الأخيرة دون ايضاح شافي لهذه المفاهيم؟ وهل باتت الحكومة غير قادرة عن الدفاع عن الدستور والقول إن هويتنا أردنية وطنية بامتياز وجامعة بالفعل منذ منشأها في وقت نحن أحوج فيه ما نكون للالتفاف حول بعضنا بعضاً ضد أي مشروع صهيوني يستهدف الوجود الأردني.
نحن في مرحلة سياسية واقتصادية جديدة، بات فيها واضحاً أن الاعتماد على المصادر المالية الخارجية غير مستدام. وبات واضحاً أيضاً أن علاقات الأردن مع حلفائه التقليديين تشوبها تحديات عدة، بما يُحتم عدم امكانية المبالغة في الاعتماد على هذه التحالفات، كما كان الحال سابقاً، أو ربما البحث عن تحالفات جديدة. نحن في مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي الاعتماد على الذات. لكن ركائز هذا الاعتماد هي بالضرورة انفتاح سياسي واثق لا يتقدم خطوة ويتراجع خطوات، واستراتيجية اقتصادية تُعظم الانتاجية دون الاعتماد على اسرائيل بأي شكل من الاشكال، واستراتيجية وطنية متكاملة متصالحة مع نفسها بالتوازي مع مصارحة ومكاشفة حقيقية مع الناس. لا يمكن إعادة تجسير الفجوة بين المواطن والدولة أو معالجة تحدياتنا المصيرية بغير ذلك.
كارنيغي للشرق الأوسط