د. السمهوري يكتب : "كفى لاتخاذ حقوق الانسان في الاردن ديكورا "
د. فوزي علي السمهوري * لم تعد الحقوق الاساسية التي كفلها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود والمواثيق الدولية ترفاً فكرياً او ديكوراً, ان احترام حقوق الانسان والنهوض بها أضحى هدفاً نبيلاً تسعى وتناضل من اجل الوصول اليه القوى السياسية من احزاب وتيارات ومنظمات حقوق انسان وناشطين حقوقيين ومؤسسات اعلامية وفكرية لما لها في حال تعزيزها انعكاس ايجابيا على حياة المواطنين. ولكن الأنظمة الديكتاتورية والشمولية واشباه الديمقراطية ترى في المبادئ التي تضمنتها العهود والمواثيق الدولية تتناقض مع مصالحهم وامتيازاتهم وقدرتهم على الاستمرار في الاستئثار بالسلطة
. وحيث اصبحت تعزيز وكفالة حقوق الانسان محط مراقبة حثيثة من منظمات محلية واقليمية ودولية اضافة الى دول ديمقراطية فقد لجأت بعض الانظمة الى تبني حقوق الانسان كإطار تجميلي بهدف تخفيف ضغوط خارجية سياسية واعلامية واحياناً بهدف استمرار تلقي الدعم الخارجي السياسي والمالي على حد سواء. ان مصادقة الدولة, اي دولة, على هذه العقود توجب عليها العمل على تعديل تشريعاتها من دستورية وقانونية بما يتوافق مع احكام ومبادئ هذه العهود والمواثيق. واننا في الاردن نمر بمرحلة انتقالية قوامها الانتقال من مرحلة القوانين والانظمة التي لا تتواءم مع التزام الاردن بالتقدم ايجاباً نحو تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان الى نحو الشمول الجاد لتعديل التشريعات التي تعزز وتكفل هذه الحقوق للمواطنين دون اي قيود او تقييد. ان نشر العهود والمواثيق الدولية في الجريدة الرسمية منذ حوالي احد عشر عاماً اي تحديداً في حزيران 2006 دفعنا كناشطين حقوقيين وكمنظمات حقوقية واحزاب سياسية ان نستبشر خيراً بأن الاراده السياسية العليا قد باتت جاهزة للتحول الحقيقي لمرحلة بناء وتعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان. ولكننا للأسف وبالرغم من التوجيهات الملكية المباشرة وغير المباشرة للحكومة واجهزتها وللسلطة التشريعية بضرورة السير قدماً باحترام حقوق الانسان الا ان الحكومات ومجلس النواب ومجلس الاعيان, ضربوا عرض الحائط بكافة هذه التوجيهات وبالتزاماتها امام المجتمع الدولي الذي لم يجبرها على المصادقة على هذه العهود والمواثيق الدولية او القيام بنشرها في الجريدة الرسمية. وحيث ان القوانين هي المرآة العاكسة الحقيقية لتوجهات الدولة وللقياس على مدى احراز اي تقدم على صعيد ترسيخ وكفالة حقوق الانسان فانني ومن خلال متابعة حثيثة لهذه القوانين, فانني خلصت الى نتيجة مفادها اننا لم نتقدم في الاردن تقدماً حقيقياً وملموساً, الا في بعض الامور الشكلية, والابتعاد كلياً عن احراز اي تعديل جوهري على القوانين الناظمة للحقوق الاساسية من الحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ومن هذه القوانين الناظمة والتي لم نلمس اي تغيير جوهري بمضمونها بالرغم من التصريحات التجميلية والديكورية لكبار المسؤولين في الدولة تشير الى حرصها على تعزيز حقوق الانسان وبتصميمها على تطويرها, بل لمسنا تراجعاًواضحاً وجلياً على احداث ردة حتى عن بعض الايجابيات التي تحققت في مرحلة ما سميت الربيع العربي تتمثل في قوانين الانتخابات والجمعيات والمطبوعات والنشر والاحزاب والجرائم الالكترونية ومكافحة الارهاب وضريبة المبيعات وضريبة الدخل وغيرها. ففي هذه القوانين قيود وتقييد على ممارسة والتمتع بهذه الحقوق ومنح صلاحيات تقديرية للسلطة التنفيذية واجهزتها بما يكفل لها من مصادرة استقلاليتها ومحاسبة المواطنين حتى على نواياهم, اضافة الى سن التشريعات والقرارات التي اثرت وستبقى تؤثر سلباً على تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين وما القرارات الاخيرة للحكومة الا خير شاهد على ذلك. فالمطلوب اذن من الحكومة ان تبدأ خطوات حقيقية يشعر معها الشعب بمكوناته ان اصلاحاً حقيقياً وجوهرياً قد بدأ دون أي تباطؤ ؤ تلكؤ على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. ومطلوب ايضا من مجلس الامة بغرفتيه الضغط على الحكومة من اجل احترام التزاماتها امام الشعب وفقاً للدستور الاردني وللاعلان العالمي لحقوق الانسان. وبعدم تمرير اي قانون او مادة في القوانين تتناقض مع احكام هذه العهود , والا فان الثقة الضعيفة بدور السلطة التشريعية ستتآكل. وعلى الحكومة ان تمتثل لرؤية جلالة الملك الواردة في الورقة السادسة ببناء الدولة المدنية وسيادة القانون, وذلك الايعاز للسلطة القضائية باعتماد العهود والمواثيق الدولية المصادق عليها والمنشورة في الجريدة الرسمية كجزء لا يتجزأ من التشريع الاردني وذلك الى حين ادماج هذه العهود باحكامها في التشريعات الاردنية. واما التصريحات الرسمية بأن هناك خطة وطنية لتطوير حقوق الانسان ستعمل على انجازها في عشر سنوات من الآن, فهذه رسالة سلبية توحي بان الارادة ضعيفة ان لم تكن غائبة, فهي حتى الآن لم نلمس اي فائدة حقيقية لم نلمس اي فائدة حقيقية لتعيين منسق حكومي لحقوق الانسان وللمركز الوطني لحقوق الانسان اذا لم تقم باستشارته الملزمة لمدى تواؤم هذه التشريعات مع منظومة حقوق الانسان ومع تعزيز الديمقراطية والمشاركة باتخاذ القرارات. فكفى لاتخاذ حقوق الانسان شعارا ديكوريا --------------------------------------------- *ناشط سياسي ومؤسس مركز جذور لحقوق المواطن ------------------