ما لم يقرأه الآخرون في رسالة الملك
د.خليل ابوسليم
القبة نيوز- في البداية وقبل الخوض فيما ورد برسالة جلالة الملك الى مدير المخابرات العامة، لا بد لنا من التفريق بين جهاز المخابرات كجهاز ومؤسسة عريقة من مؤسسات الوطن قام ويقوم بدور حساس في الحفاظ على أمن ومقدرات الوطن وأمان مواطنيه، وبين منتسبي الجهاز العريق الذي يضم خيرة من أبناء الوطن النشامى، لكن هذا لا يعفي بعض المنتسبين للجهاز من مسئولياتهم عندما استغلوا الجهاز ومواقعهم فيه لتحقيق مآرب خاصة، او لتمرير اجندات وقرارات كان لها تأثير بالغ على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأضرت أحيانا بالمواطنين وبصورة الوطن داخليا وخارجيا.
بالعودة الى رسالة سيد البلاد الى مدير المخابرات العامة، نجد ان جلالته قد استشعر بعضا من تلك الممارسات، الامر الذي استدعى توجيه الرسالة على الملأ، وهو الذي يمكنه ان يستدعي مدير المخابرات الى مكتبه ويطلب منه ما يريد، الا ان جلالته أراد ان يوصل بذلك رسالتين:
الأولى للجهاز، وهي أن جلالة الملك يعرف كل ما يدور في أروقة الجهاز، ولديه كافة المعلومات عن كيفية صناعة القرار داخله ومدى تدخله في أمور خارجه عن اختصاصه أملتها ظروف أشار اليها جلالته في متن الرسالة، أما الثانية فهي لجموع المواطنين، بانه يعلم ويعرف كل شيء ومحيط بأدق التفاصيل، وبالتالي هي رسالة تطمين للمواطن بان الأمور لن تعود كما كانت عليه في السابق، وأن الجهاز وجد لخدمتهم والسهر على أمنهم وأمانهم، وبالتالي سيتفرغ الجهاز ومنتسبيه الى القيام بالدور المنوط به والذي على أساسه تم تشكيل الجهاز على يد رجال نحسبهم مخلصين للوطن والقيادة، وان اختلفنا معهم في أسلوب الإدارة.
لقد مارس سيد البلاد، أدبا هاشميا جماً في رسالته لمدير المخابرات، وطلب منه أن يعود الجهاز الى ممارسة الاختصاصات التي أنشئ من أجلها، وهنا أقتبس" إنني لعلى ثقة بأنك لن تدخر جهداً في الاستمرار، وبوتيرة أسرع وخطى ثابتة، في إنجاز عملية تطوير وتحديث دائرة المخابرات العامة، لتظل مؤسسة يشار لها بالبنان كعنوان للكفاءة والاقتدار والتميز ومواكبة العصر ومتطلباته وتطور أنماط العمل الاستخباري، وضمن الإطار التطويري والتحديثي الشامل الذي أنجز، وما زال ينجز في قواتنا المسلحة الباسلة – الجيش العربي، والإصلاح الشامل الذي أنتج مديرية الأمن العام لتستوعب الأمن العام، والدرك والدفاع المدني في إطار مؤسسي واحد، وبأنك ستعمل على أن تركز جهودها في مجالات اختصاصها المهمة والحيوية لأمننا الوطني، وستلقى مني كل الدعم والمؤازرة." انتهى الاقتباس.
رسالة جلالة الملك، استوقفتني كثيرا أمام محطات وانجازات كثيرة وكبيرة للجهاز لا يمكن لعاقل ان يتجاوزها او يتغافل عن الإتيان على ذكرها ورفع القبعة تقديرا وعرفانا لها، الا انها أيضا استوقفتني عند أقوال دولة السيد مضر بدران أحد مؤسسي هذا الجهاز العريق في معرض حديثه عن قضية النفير في العام 1992 والتي وردت في كتابه "القرار" وتحديدا في الصفحات 350-351 ومنها أقتبس:
"صعقت بعد قراءتي لجلسات المحاكمة، فكيف يمكن التعامل مع قضية بهذا الحجم بهذا الأسلوب، وشعرت بالخجل وانا اقرا تفريغ مكالمات هاتفية تم تسجيلها لنساء يتحدثن فيما بينهن بشؤون اسرية، ليس من حق الراي العام الاطلاع عليها، ولا تخدم مثل هذه التسجيلات القضية، فكنت اعتبر الاثر عيبا كبيرا. بعدها، صرت اتابع ما ينشره الاعلام عن الجلسات متابعة حثيثة، ووجدت انه لا يوجد بينات من أساسه، حتى صعقت بحكم الإعدام الذي صدر بعد شهادة الشاهد الأخير الذي قيل انه جاء من المانيا وهو عراقي الجنسية.
كان محامي الشبيلات المرحوم إبراهيم بكر، وهو رجل صادق ومبدئي، ويمتلك فكرا حرا، ولا يحاف من قول كلمته، كان رحمه الله رجلا حقيقيا، اتصل بي وطلب زيارتي، ولم يكن بيني وبين الرجل أي اتصال قبلها، لكنني اعرفه واسمع عنه واحترمه، وتحدث عن قضية الشاهد الذي جاء من المانيا ليشهد في القضية، وقال لي إبراهيم بكر انه يريد ان يعقد مؤتمرا صحفيا ويفضح كل الامر، وان المخابرات هي من جاءت بهذا الشاهد، وهي من وظفته ليقول ما قاله في المحكمة، وكان كلام بكر هذا بعد ان هدد الشاهد العراقي القادم من المانيا بفضح تفاصيل الضغط الأمني عليه ليدلي بشهادته، ويريد هو الاخر ان يعقد مؤتمرا صحفيا في المانيا.
طلبت من بكر ان يصغي الى ما سأقوله من باب التحليل وليس المعلومات، وطلبت منه ان يذهب الى وزارة الخارجية ويطلع على بيانات الشاهد، وتحديته بانه سيجد ان العراقي قد ذهب الى سفيرنا في المانيا وابلغه بما يمتلك من معلومات عن قضية شبيلات، وبدوره ابلغ السفير وزارة الخارجية التي أبلغت المخابرات العامة وتم الاتيان بالشاهد. وقلت له "الشاهد يريد ان يبتز الدولة الأردنية بالمال مقابل تلك المعلومات المضللة التي زعم انه يمتلكها،" وعندما وجد ان لا أحد دفع له أي مقابل، هدد بفضح الامر والادعاء بانه ادلى بشهادته تحت تهديد أمنى". وأكدت لإبراهيم بكر ان هذا هو تحليلي للأمر، ورجوته ان يتأكد من الامر من خلال وزارة الخارجية أولا، وبعدها سأتدخل عند الملك الحسين.
بالفعل، ذهب بكر الى وزارة الخارجية، واطلع هناك على البرقية التي بعثاها سفيرنا في برلين، واتصل بي ليؤكد ما قلته من تحليل، عندها طلبت منه ان لا يتصرف بأي شيء، حتى اطلب مقابلة الملك الحسين واحدثه بالأمر.
طلبت لقاء الحسين رحمه الله، وبالفعل استدعاني جلالته باليوم نفسه، وتحدثت للحسين بما عندي من كلام، وابلغته ان الشاهد الذي نطق القاضي بعد شهادته بحكم الإعدام على شبيلات وقرش، هو (شاهد ما شفش حاجة)، وهاجمت المحكمة والمدعي العام، واستغربت كل تفاصيل المحاكمة.
وبالفعل، كنت قادرا على قراءة مجريات وتفاصيل المحاكمة التي نشرت بالصحف بحيادية وموضوعية، وقرأتها كمحام أولا، وقرأتها بعقل القاضي من دون ان انصب نفسي طرفا في القضية، وقلت للراحل الحسين انني استطعت ان آخذ موافقة إبراهيم بكر على عدم الادلاء باي تصريحات حتى يتم عرض الموقف امامك. بعد ان صمت الراحل الحسين طويلا، طلب مني ان اترك الامر ليتولى بنفسه الموضوع، وبعدها صدر عفو شمل السيد ليث شبيلات". انتهى الاقتباس.
اعتقد هذه واحدة من الأمور التي وقع في براثنها الجهاز، ويشير الى مدى تدخل الجهاز في كافة السلطات بما فيها القضائية، ولولا تدخل المرحوم الملك الحسين في الوقت المناسب لتم اعدام اشخاص أبرياء، وهذا أيضا يشير الى الحضور الملكي في الشدائد وعندما تدلهم الخطوب.
اعتقد ان الطريق ما زال طويلا، وبحاجة الى جهد وعمل شاق، بدا به جلالة الملك، والمطلوب من كافة سلطات الدولة والجهات المعنية فيها استكمال تلك الجهود وتنقية مؤسسات الدولة مما علق بها من شوائب ونماذج أضرت بمسيرتها في العقود السابقة، بما في ذلك استبدال بعض الأدوات، فهل تم التقاط تلك الرسالة بوضوح؟ ام اننا سندخل في تفسيرات ما انزل الله بها من سلطان؟ عمون
بالعودة الى رسالة سيد البلاد الى مدير المخابرات العامة، نجد ان جلالته قد استشعر بعضا من تلك الممارسات، الامر الذي استدعى توجيه الرسالة على الملأ، وهو الذي يمكنه ان يستدعي مدير المخابرات الى مكتبه ويطلب منه ما يريد، الا ان جلالته أراد ان يوصل بذلك رسالتين:
الأولى للجهاز، وهي أن جلالة الملك يعرف كل ما يدور في أروقة الجهاز، ولديه كافة المعلومات عن كيفية صناعة القرار داخله ومدى تدخله في أمور خارجه عن اختصاصه أملتها ظروف أشار اليها جلالته في متن الرسالة، أما الثانية فهي لجموع المواطنين، بانه يعلم ويعرف كل شيء ومحيط بأدق التفاصيل، وبالتالي هي رسالة تطمين للمواطن بان الأمور لن تعود كما كانت عليه في السابق، وأن الجهاز وجد لخدمتهم والسهر على أمنهم وأمانهم، وبالتالي سيتفرغ الجهاز ومنتسبيه الى القيام بالدور المنوط به والذي على أساسه تم تشكيل الجهاز على يد رجال نحسبهم مخلصين للوطن والقيادة، وان اختلفنا معهم في أسلوب الإدارة.
لقد مارس سيد البلاد، أدبا هاشميا جماً في رسالته لمدير المخابرات، وطلب منه أن يعود الجهاز الى ممارسة الاختصاصات التي أنشئ من أجلها، وهنا أقتبس" إنني لعلى ثقة بأنك لن تدخر جهداً في الاستمرار، وبوتيرة أسرع وخطى ثابتة، في إنجاز عملية تطوير وتحديث دائرة المخابرات العامة، لتظل مؤسسة يشار لها بالبنان كعنوان للكفاءة والاقتدار والتميز ومواكبة العصر ومتطلباته وتطور أنماط العمل الاستخباري، وضمن الإطار التطويري والتحديثي الشامل الذي أنجز، وما زال ينجز في قواتنا المسلحة الباسلة – الجيش العربي، والإصلاح الشامل الذي أنتج مديرية الأمن العام لتستوعب الأمن العام، والدرك والدفاع المدني في إطار مؤسسي واحد، وبأنك ستعمل على أن تركز جهودها في مجالات اختصاصها المهمة والحيوية لأمننا الوطني، وستلقى مني كل الدعم والمؤازرة." انتهى الاقتباس.
رسالة جلالة الملك، استوقفتني كثيرا أمام محطات وانجازات كثيرة وكبيرة للجهاز لا يمكن لعاقل ان يتجاوزها او يتغافل عن الإتيان على ذكرها ورفع القبعة تقديرا وعرفانا لها، الا انها أيضا استوقفتني عند أقوال دولة السيد مضر بدران أحد مؤسسي هذا الجهاز العريق في معرض حديثه عن قضية النفير في العام 1992 والتي وردت في كتابه "القرار" وتحديدا في الصفحات 350-351 ومنها أقتبس:
"صعقت بعد قراءتي لجلسات المحاكمة، فكيف يمكن التعامل مع قضية بهذا الحجم بهذا الأسلوب، وشعرت بالخجل وانا اقرا تفريغ مكالمات هاتفية تم تسجيلها لنساء يتحدثن فيما بينهن بشؤون اسرية، ليس من حق الراي العام الاطلاع عليها، ولا تخدم مثل هذه التسجيلات القضية، فكنت اعتبر الاثر عيبا كبيرا. بعدها، صرت اتابع ما ينشره الاعلام عن الجلسات متابعة حثيثة، ووجدت انه لا يوجد بينات من أساسه، حتى صعقت بحكم الإعدام الذي صدر بعد شهادة الشاهد الأخير الذي قيل انه جاء من المانيا وهو عراقي الجنسية.
كان محامي الشبيلات المرحوم إبراهيم بكر، وهو رجل صادق ومبدئي، ويمتلك فكرا حرا، ولا يحاف من قول كلمته، كان رحمه الله رجلا حقيقيا، اتصل بي وطلب زيارتي، ولم يكن بيني وبين الرجل أي اتصال قبلها، لكنني اعرفه واسمع عنه واحترمه، وتحدث عن قضية الشاهد الذي جاء من المانيا ليشهد في القضية، وقال لي إبراهيم بكر انه يريد ان يعقد مؤتمرا صحفيا ويفضح كل الامر، وان المخابرات هي من جاءت بهذا الشاهد، وهي من وظفته ليقول ما قاله في المحكمة، وكان كلام بكر هذا بعد ان هدد الشاهد العراقي القادم من المانيا بفضح تفاصيل الضغط الأمني عليه ليدلي بشهادته، ويريد هو الاخر ان يعقد مؤتمرا صحفيا في المانيا.
طلبت من بكر ان يصغي الى ما سأقوله من باب التحليل وليس المعلومات، وطلبت منه ان يذهب الى وزارة الخارجية ويطلع على بيانات الشاهد، وتحديته بانه سيجد ان العراقي قد ذهب الى سفيرنا في المانيا وابلغه بما يمتلك من معلومات عن قضية شبيلات، وبدوره ابلغ السفير وزارة الخارجية التي أبلغت المخابرات العامة وتم الاتيان بالشاهد. وقلت له "الشاهد يريد ان يبتز الدولة الأردنية بالمال مقابل تلك المعلومات المضللة التي زعم انه يمتلكها،" وعندما وجد ان لا أحد دفع له أي مقابل، هدد بفضح الامر والادعاء بانه ادلى بشهادته تحت تهديد أمنى". وأكدت لإبراهيم بكر ان هذا هو تحليلي للأمر، ورجوته ان يتأكد من الامر من خلال وزارة الخارجية أولا، وبعدها سأتدخل عند الملك الحسين.
بالفعل، ذهب بكر الى وزارة الخارجية، واطلع هناك على البرقية التي بعثاها سفيرنا في برلين، واتصل بي ليؤكد ما قلته من تحليل، عندها طلبت منه ان لا يتصرف بأي شيء، حتى اطلب مقابلة الملك الحسين واحدثه بالأمر.
طلبت لقاء الحسين رحمه الله، وبالفعل استدعاني جلالته باليوم نفسه، وتحدثت للحسين بما عندي من كلام، وابلغته ان الشاهد الذي نطق القاضي بعد شهادته بحكم الإعدام على شبيلات وقرش، هو (شاهد ما شفش حاجة)، وهاجمت المحكمة والمدعي العام، واستغربت كل تفاصيل المحاكمة.
وبالفعل، كنت قادرا على قراءة مجريات وتفاصيل المحاكمة التي نشرت بالصحف بحيادية وموضوعية، وقرأتها كمحام أولا، وقرأتها بعقل القاضي من دون ان انصب نفسي طرفا في القضية، وقلت للراحل الحسين انني استطعت ان آخذ موافقة إبراهيم بكر على عدم الادلاء باي تصريحات حتى يتم عرض الموقف امامك. بعد ان صمت الراحل الحسين طويلا، طلب مني ان اترك الامر ليتولى بنفسه الموضوع، وبعدها صدر عفو شمل السيد ليث شبيلات". انتهى الاقتباس.
اعتقد هذه واحدة من الأمور التي وقع في براثنها الجهاز، ويشير الى مدى تدخل الجهاز في كافة السلطات بما فيها القضائية، ولولا تدخل المرحوم الملك الحسين في الوقت المناسب لتم اعدام اشخاص أبرياء، وهذا أيضا يشير الى الحضور الملكي في الشدائد وعندما تدلهم الخطوب.
اعتقد ان الطريق ما زال طويلا، وبحاجة الى جهد وعمل شاق، بدا به جلالة الملك، والمطلوب من كافة سلطات الدولة والجهات المعنية فيها استكمال تلك الجهود وتنقية مؤسسات الدولة مما علق بها من شوائب ونماذج أضرت بمسيرتها في العقود السابقة، بما في ذلك استبدال بعض الأدوات، فهل تم التقاط تلك الرسالة بوضوح؟ ام اننا سندخل في تفسيرات ما انزل الله بها من سلطان؟ عمون