الفضائيات العربية والأقنعة المزيفة
الدكتور عديل الشرمان
القبة نيوز- بعد عودة الدفء التدريجي للعلاقات بين الشقيقتين السعودية وقطر، وبعد أن أصبحت الهوة تضييق تدريجيا بين أطراف عربية أخرى، وهو ما أثلج صدور الكثيرين من أحرار الأمة الطامحين بوطن عربي لا تمزقه الفرقة والاختلافات، هل ستتوقف القنوات الفضائية العربية المتصارعة ذات التمويل اللامحدود عن نقد سياسات الفرقاء همزا ولمزا، وهل ستتغير وجوه الضيوف في هذه القنوات، أم ستسقط الأقنعة والقناعات المزيفة؟
شهد الإعلام العربي بشكل عام تراجعا غير مسبوق، وانحدارا كبيرا في مصداقيته خلال الفترة الماضية التي أعقبت ما سمي بالربيع العربي، وما تلاه من ظروف سياسية وحروب وانقسامات في الصف العربي، وهو ما تؤكده العديد من الدراسات العلمية.
أصبحت معظم وسائل الإعلام العربي في الوقت الراهن ساحات للحوار الحاد، والجدل والمهاترات، وكيل التهم، وأدوات للشحن وللنبش عن العفن ونشره في المجتمع، تؤلب جهة على أخرى، وتشحن فئة ضد أخرى، وأدوات لشيطنة الطرف الآخر وتشويه سمعته وصورته، ومرآة تعكس عمق الانقسامات والخلافات، متخلية بذلك عن مبادىء وأخلاقيات العمل الإعلامي ومعاييره المهنية، وعن دورها الهام ومسؤولياتها تجاه قضايا أمتها وجماهيرها، مشكلة بذلك الحلقة الأضعف أثناء الأزمات، والزيت الذي يصب عليها لتأجيجها.
وضعت حالة الاستقطاب السياسي الراهنة التي يمر بها العالم العربي الإعلام أمام تحديات كبيرة في مصداقيته، وفي مدى قدرته على التحرر والخروج من دائرة سيطرة التيارات السياسية والأنظمة الحاكمة، لتؤكد هذه الحالة أن الرهان على إعلام عربي حر ومستقل ما زال بعيد المنال.
رفعت الكثير من وسائل الإعلام العربية عند تأسيسها شعارات تؤكد على مصداقيتها في ممارسة عملها، وبين فترة وأخرى تتشدقق في هذه الشعارات، لكنها في الواقع عجزت إلى حدود بعيدة عن تطبيق هذه الشعارات في ممارستها لعملها، وقدمت وجهات نظر متباعدة ومتضاربة أقل ما يميزها أنها أحادية الجانب موغلة في التحيّز والتناقض.
عندما تغيب الحكمة والتعقل والسياسات الواضحة في ممارسة العمل الإعلامي يقع هذا الإعلام في البغض والكره المبالغ فيه لطرف معين، وقد يقع في الحب المبالغ فيه، وعندما تتغير الظروف السياسية وتتبدل العلاقات بين الطرفين يجد نفسه بين مطرقة الضغوط وسياسات الأنظمة وسندان الحرية والمصداقية الإعلامية، وقد وقع في حرج شديد مع جمهوره، ومضطرا لعيش حالة من الانقلاب والانفصام التي تفقده الشيوع والانتشار، حينها ماذا عساه سيقول لجمهوره، وكيف سيبرر هذه الحالة من التغير المفاجيء في أدائه ومواقفه ومحتوياته.
لم يعد بوسع الأنظمة الحاكمة العربية ذات السيادة التقليدية الشمولية بما تمتلكه من فضائيات ممولة وقف القوة الناعمة المتمثلة بالغزو والاختراق الإعلامي العالمي، ولم يعد بوسعها حجب تدفق هذا الإعلام وهذه الفضائيات ذات الامكانيات التكنولوجية الهائلة، حيث صار لزاما على الأنظمة والحكومات التحرر من أكذوبة المصالح القومية والوطنية التي أغرقت شعوبها وإعلامها في معارك جانبية وهامشية مبتعدة عن قضاياها المحورية والمصيرية.
المواطن العربي بات أكثر وعيا وإدراكا للظروف من حوله، ولم يعد مجرد متلقي ومصدق لما يسمعه أو يشاهده أو يقراؤه، وبات باحثا عن الحقيقة بلا مواربة أو تزييف، ولم يعد لديه متسعا من الوقت وطول البال للتعرض لهذا النوع من الإعلام الحاقد الذي تفوح منه رائحة الكيدية والكراهية.
إن من واجب الإعلام وأبرز مهامه أداء مهمتين متناقضتين لفظا متكاملتين جوهرا ومضمونا (الانحياز والحياد) الانحياز إلى الحق وقول الحقيقة مستثمرا بذلك ود الجماهير وليس ود الحكومات، والحياد الموضوعي والايجابي الذي يبنى على رقابة ونقد أداء المؤسسات والانتصار لمطالب الشعوب.
يصبح الإعلام العربي إعلاما حرا نزيها ومنابر وطنية عندما يتحرر من قيود الأنظمة الحاكمة والتيارات السياسية والعرقية والدينية مغلبا أمن ومصالح الأوطان والشعوب العليا على مصالح الحكومات والأنظمة الضيقة، وإلا سيبقى تائها مغرقا في الفوضى والتخبط، ولا يعرف إلى أين يذهب، وفي أي اتجاه يسير.