كورونا يرفع أنين الفقراء ويضيِّق عليهم الحياة وينشر البؤس في كل مكان
آمال الحاج احمد
القبة نيوز- تضيق دنيانا ونحسب أننا سنموت يأسا أو نموت نَحيبا، وإذا بلُطف الله يهطل فجأة يُرَّبي من اليَّبَس الفُتات قلوبًا، هي كلمات من روائع الإمام الشَّافعي، لكنها اليوم حاضرة بكل تفاصيلها مع هجوم أحد مخلوقات الله على مخلوقات الله الأخرى، فيعطل الحياة وينشر الخوف والموت في كل مكان.
365 يومًا مختلفة جدًا من حياة البشر يشهدونها وانا معهم منذ بدء العام 2020، فقط كان منها 59 يومًا عادية، والبقية كانت شديدة الثِّقل واللؤم على كباره وصغاره واقتصاده وسياسته، لم يكن الأردن الطيب استثناء، لكن إدارته كانت الاستثناء، بجهد ملكي يقوده الملك.
العالم بمختلف جنسياته واجه وما زال وبشكلٍ لم يشهده منذ عشرات السنين، أزمةً غير متوقعة وتحديًا كبيرًا، أُجمع على تسميته جائحة فيروس كورونا كوفيد 19؛ لانتشاره السَّريع، وعلى مساحاتٍ واسعةٍ غطّت العالم تقريبًا خلال 300 يومٍ من عمر هذه السَّنة، جائحة فاقت التصوُّر وشكّلت صدمة وأثر كبير على المجتمعات والإنسانية، هبطت بها الطَّائرات وأغلقت الحدود وانكفأ البشر في بيوتهم، خوفًا على ما تبقى من حياتهم.
كان العالم مُفعم بالحيويةِ، يتحركٍ بشكل دائم، مؤتمرات فعاليات، منافسات، حوارات، أصواتُ تُصفِّيقٍ وضحكات، وفجأة وخلالَ أيامٍ معدودة وإذ بهدوءٍ رهيب يسكن العالم من حولنا، فُرِض الحظر الشامل، أًغلقت المطارات وأبواب المدارس والجامعات، وأنظمة صحية انهارت، واقتصاد تباطأ وتراجع، انسانية شارفت على الانتهاء، شعرتُ انّ الأرضَ توقفت عن الدوران وتحوَّل العالم من حالةِ الأمان إلى حالة قلقٍ حائرة وانعدام وزن سيطرت على البشرية، تناثرت الأقاويل وانتشرت الأخبار بين حقيقة وإشاعة ووهم وخيال تقودها وسائل التَّواصل الاجتماعي، خيّم على العالم في وقتٍ قصيرٍ حالة يسكنها الكثير من علامات الاستفهام وأخرى التعجب وانتظار القادم المجهول.
عاش البعض حالة صراعٍ غير مفهومة ونفسية غير مستقرة، كان لهذا اثر كبيرٍ على الصِّحةِ العامة، والعلاقات الاجتماعية، ودور الأفراد وأداءهم، وأصبح الخوف يتجاوز هذا الفيروس لمساحةٍ أكبر تُسيطر على عقل العالم بأسره.
مجتمعات تقوقعت على نفسها وتحوُّل سريع لكثيرٍ من العاداتِ والسلوكياتِ التي أُجبرت عليها البشرية كباراً وصغارا بعضُها بداعي الخوف والبعض الآخر من الحرص والمسؤولية، توقفت الأفراح واختصرت الأتراح، ما عادت الأفراح مواكب ولا تتبع الميت الجنائز، اغلقت بيوت العزاء وقبلها الأفراح، ساد التعقيم كل شيء وعاد الناس للنظافة من الإيمان.
بدايات الجائحة بدأ التدافُع كبيراً على أدوات التَّعقيم حيث استغل البعض هذا الظرف فأصبحت الأسعار عبء على المواطنين، وتكشّف جشع بعض التجار، وظهرت الأزمة الأخلاقية، وانعدام الحسِّ الإنساني، وشهدت المواد التموينية والأطعمة غلاء فاحشاً خاصة في فترةِ الحظرِ التي تُفرض على المواطنين من وقت الى آخر نتيجةَ تزاحمِ الناسِ عليها، وفقد الكثيرون عملهم، وانخفضت الرواتب، وأصبحت لقمةُ الحياة في كَبَد وعيشِ صعبة، وباتت المسؤولية اكبر على ربّ الأُسرة، وكثير من البطون تنام خاوية جائعة، لا تقر عينها وغيرها لاهية، وأصبح التعليم عن بُعد، الذي شكّل بالنسبة للكثيرين معاناة حقيقية ومنظومة فاشلة بعد معاناة بعض الأُسَر من عدم توفرِ الانترنت وأجهزةِ الحاسوبِ، وعدم اكتراثِ شركات الاتصالات لبعض نقاط الضعف لديها في ظل هذه الأزمة، كما كان التباعد الاجتماعي ضرورة لا بد منها، فأصبحت الأنظار تخاف المستقبل والإنسانية تخشى التعايش والجميع يتساءل إلى متى !!!!
الكاتبة رشا الشويكي قالت لي عن تأثير هذه الجائحة عليها، "انا كأم زادت مهامي كون التعليم اصبح عن بعد، واصبح يستنفذ الكثير من وقتي وطاقتي مما أثَّر على نشاطي باقي اليوم كما اصبحْت انعزالية اكثر وعلاقاتي الاجتماعية اصبحت شبه معدومة".
وقالت الأم دعد الزير، "ان هذا الوباء كشف عن اوبئةٍ نفسيةٍ معقدة ظهرت على السطح وهي التي كانت مخفية وللأسف اوبئة قطع الارحام بحجة هذا الفيروس، الأنانية واحتكار بعض التجار للسلع واستغلال اصحاب العمل قوانين الدفاع والاستغناء عن العمال وتقليل الاجور ولكن بالنسبة لعائلتي الصغيرة والحمد لله رغم الوضع المادي السيء، زاد تماسكنا وحبنا وتنازلنا لبعضنا البعض".
ليث هليل والذي يعمل في مهنة الحلاقة بين أنَّه في بداية الجائحة فهو كشخص كانت خسارته آلاف الدنانير بسبب الإيجارات العالية وعدم وجود دخل وكان عمله مُعطّل واضطر لترك محله وخسر الكثير من عمله، وبالنسبة للعلاقات الاجتماعية تغيرت الناس وابتعدت عن بعضها بسبب جائحة كورونا.
وأجمع الكثير من اصحاب المشاريع الصغيرة المنزلية بأن هناك صعوبة في عملية تسويق المنتجات لتوقُّف البازارات والمعارض، والنشاطات كما زادت تكلفة المواد الخام وقلّ الدخل مما أثِّر على الوضع المادي لديهم، ، وطلاب وطالبات الجامعات لم يجدو حظهم مع التعليم عن بعد واعتبروه اسلوباً حرمهم من الحصول على المهارات والخبرات داخل الجامعة كما يفتقدون للتفاعل واجواء المشاركة المناسبة التي تساعد في وصول المعلومة والتواصل المباشر مع الأساتذة وممارسة حقهم في النشاطات الاجتماعية داخل الحرم الجامعي.
في حوارٍ لي مع دكتور الصِّحة النَّفسية والطاقة الحيوية عادل القراعين قال، "نحن كمجتمع منذ قديم الأزل تسكنه طاقات وتراكمات سلبية كبيرة وتدفق لمشاعر الخوف والحزن التي اعتدنا عليها وما لها من اثرٍ كبيرٍ على إضعاف المناعة النفسية والروحانية في الوقت الذي نحتاج لها اكثر، ووجب علينا الخروج من الحالة التقليدية من الكسل وعدم الوعي لخلق دافع للتغيير والعمل على تصغير المشكلة وتغيير النظرة لها، في الوقت الذي خسر فيه الكثير من الاشخاص وظائفهم واعمالهم، وفي ظل هذه الظروف علينا خلق طرق جديدة للإبداع والعمل على تطوير انفسنا لمواكبة الظروف وتعويض الخسائر وتحسين الوضع الاقتصادي".
وقالت دكتورة الصيدلة طِيب الفاروسي حول هذا الفيروس وتأثيره: "إنّ هذه الجائحة الأولى من نوعها التي تصيب العالم في وقتنا الحالي وتؤثر عليه بشكل كبير نفسيا واجتماعيًا واقتصاديًا وصحيًا، وكونه فيروس مستجد وغير معروف حدث تخبُّط عشوائي في ايصال المعلومات للناس، كما أسهم الحظر الشامل في الكشف عن ثغرات في الأسرة الاردنية، وزادت حالات الطلاق والخلافات الأسرية وتأثرت العلاقات بين الآباء والأبناء، وكذلك الأطفال لعدم استيعابهم للموقف، وشعروا أنَّهم حُرموا من الذهاب الى مدارسهم ، ومنعوا من اللعب والترفيه، وجاء التعليم عن بُعد فكان شيئاً جديداً لم نعتد عليه.
وأضافت أنَّ المجتمع تأثر بالتهويل الاعلامي المحلي والعربي والعالمي الذي كان ينشر بشكل كبير الشائعات الأمر الذي أدى الى نشر الخوف والقلق ، وكان له تأثير كبير على المناعة.
وبينت أنَّه وبالنسبة للعلاج فلا يوجد دواء قاتل للفيروس حتى الآن مما أوجب علينا زيادة المناعة من خلال التركيز على فيتامين سي ودال, والزنك والافضل تناولها عن طريق الطعام او مكملات غذائيه بعد استشارة الطبيب وهناك بروتوكولات علاجية متبعة والتي يقررها الأطباء فقط ومنها ما يطبّق في المشافي ومنها أدوية المميعات مثل ( الاسبرين 81 او كلكسان او بلافيكس او الهيبارين ) ومضادات الالتهاب الفيروسية مثل فابيبيرافير ( فافيرا ) مضاف اليها أحيانا ًوفي الحالات الحرجة والشديدة جدا الكورتيزون ،
تنصح طيب الجميع بالبقاء في المنزل في حالة عدم وجود ضرورة لمغادرته، وتجنب الاختلاط، وتقوية المناعة بالاكثار من شرب الماء الدافئ والمشروبات الساخنة والابتعاد عن التدخين والسكريات والمنبهات والمشروبات الغازية والنوم الكافي والراحة وتناول مسكن الألم وخافض الحرارة باراسيتامول ، ومحاولة عدم متابعة الاخبار بشكلٍ دائمٍ، وعدم الانصات للشائعات لما لها من تأثير سلبي على الحالة النفسية والمناعية.
تسيطر في هذه الأوقات مشاعر سلبية وخوف عارم على حياة الكثيرين من العائلات الاردنية، ويعاني الكثيرون ولا نعلم وجعهم او البعض يعلم ويتجاهل وكأنَّ الانسانية أَعلنت إفلاسها والبشرية فارقتها الحياة، وتبقى الكثير من التساؤلات والأمور التي اصبحت واضحة وبين أيدي اصحاب القرار لإيجادِ حلولٍ ملائمة وتطبيق سريع يتناسب ومجتمعنا الأردني لإنقاذ ما تبقى من إنسانية.
جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أكد أهمية تعافي الاقتصاد من الآثار الناجمة عن جائحة كورونا بأقصى سرعة ممكنة وذلك لنحمي المواطن الأردني.
استذْكِر هنا أيضًا مقولة جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله: "الانسان أغلى ما نملك".
أدام الله قائدنا الملك عبد الله وحفظ ولي عهده الامين وأعان جيش الأردن وأجهزته الأمنية كافة على كل هذه التحديات التي تحيط بنا من كل حدب وصوب.