تفصيل القوانين في المؤسسات العربية
معاذ يحيى المهيدات
القبة نيوز- إن الهدف الأساسي من تشريع أنظمة وقوانين المؤسسات هو إحقاق العدل والمساواة، إلا أن معظم العرب لا يؤمنون بهذا الهدف، مما أدى إلى تفصيل قوانين مؤسسية تساعد على الظلم والاستيلاء على الحقوق ونشر الفساد، نتيجة لانحرافها عن هدفها ولخدمة فئة معينة ولكونها تتسم بالثغرات التي تتيح التطبيق السيىء ومنح الاستثناءات وتعطيل التنفيذ، وتحافظ على استمرار الوضع على ما هو عليه، بل ربما تزيده سوءاً أيضاً.
وتفصيل القوانين في الوطن العربي مرتبط أساساً بظروف الزمان والمكان والتركيبة النفسية والعقائدية والثقافية والعلمية لصانعه، الذي هو في النهاية بشر، ومهما كان نزيهاً فإن تفصيله للقانون لن يكون بمعزل عن أهوائه التي تتأثر بجبروت المسؤول، والبحث عن مصالحه والتغاضي عن كل ما يعكر صفو مكاسبه، فيكون الهدف الأسمى لتفصيل القوانين، إرضاء المسؤول على حساب أي شيء آخر.
لذلك فإن هناك مجموعة كبيرة من الأفكار التي تدور في عقول بعض مفصلي القوانين أثناء انشغالهم بعملية التفصيل، حيث أنها فرصة للتقرب من المسؤول، ومن ثم يجرون تفصيل القانون وفق إرادته دون المساس بمكاسبه، وإثبات قدرتهم على تفصيل القانون وتطريزه بمهارة وفق المقاييس المطلوبة، بحيث يقبل التفسيرات جميعها.
لذلك عندما يصدر القانون نجده مثل قالب الجبنة السويسري مملوءاً بالثغرات أكثر مما فيه أمانة ودقة، وربما يكون هذا هو الهدف من صياغة القانون، لأن الثغرات تتيح الاستثناءات من جانب، وتعطي الفرصة إلى تعديل القانون في المستقبل من جانب آخر. غير أن تفصيل القوانين بهذا الشكل في العالم العربي يؤكد حقيقة التشكيك في جدية التطبيق، وأن الهدف من سن القانون قد انتفى قبل صدوره، ولكن مع الإصرار على مزيد من المكاسب للمسؤول.
ومن الغريب أن الجميع يعلم هذه الحقيقة، بداية من صاحب الأمر بإعداد القانون إلى حين تصديقه عليه، مروراً باللجان القانونية البرلمانية، ولكنهم يمضون في تفصيل القانون متجاهلين الأعباء المادية التي تدفعها الشعوب من عرقها، وضياع الوقت، وإشغال وسائل الإعلام، واستنزاف جهد المشجعين الذين ستبح أصواتهم من كثرة التأييد والتهليل، وتكل أيديهم من كثرة التصفيق.
إنها حلقة مفرغة تدور فيها صناعة القوانين في الوطن العربي، وهذا يضعنا في مواجهة بعض الملاحظات المهمة بأن العملية التشريعية برمتها في الوطن العربي قد لحقها ضرر كبير من العقود الماضية وحتى الآن.