الذكاء الاصطناعي والدبلوماسية
عبد السلام المشيطي
القب نيوز- يبدو أن كورونا قدَّمتنا خطوات سريعة إلى الأمام نحو العالم الافتراضي.. فلهذه الأزمة العالمية إيجابياتها، فضلاً عن تداعياتها وآثارها السلبية الكبيرة. كورونا فرضت علينا نمطًا لحياة جديدة، تقوم على مفاهيم مختلفة، منها التباعد الاجتماعي، ومفهوم التعلم عن بُعد، والتحاور والتفاوض عبر الأجهزة الذكية، والقدرة على التعامل مع أدوات الإعلام الجديد بشكل مختلف ومتطور.
الذكاء الاصطناعي أحد المفاهيم التي انطلقت بقوة مؤخرًا، التي تعتمد بمفهومها على الآلة رقميًّا "كالروبوتات" وغيرها، إلا أن هناك مخاوف كبيرة من التعامل معها؛ وذلك لأنها قد تلغي العديد من الأدوار البشرية. هذا التطور بالرغم من أنه بدأ فعليًّا من خلال مراحل اقتصادية واجتماعية إلا أن النقلة القادمة هي العملية السياسية والدبلوماسية.
والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: هل بالإمكان الوثوق بخياراتها في مواضيع مهمة وحساسة، لها آثارها الكبيرة والعميقة؛ كونها تعتمد على أبجديات رقمية، ينقصها ذكاء وفطنة "سعود الفيصل"، ودهاء "هنري كسينجر"؟! وأعني هنا مفهوم العلاقات الدولية والعملية السياسية والدبلوماسية. الصين خطت خطوة مهمة في توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال العلاقات الدولية؛ فالرئيس الصيني "شي جين بينغ" جدول أعمال الذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية لبلده، ودعا إلى فتح آفاق جديدة في الدبلوماسية اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي؛ إذ إن البرامج التي أنشأتها الحكومة الصينية بدأت تأخذ كمًّا هائلاً من المعلومات، سواء هذه المعلومات ذات أهمية أو عادية. كما أنها سوف تعلن قريبًا أول سفير لها في هذا العالم الافتراضي "رجلاً آليًّا".
إن تم توظيف الذكاء الاصطناعي كما هو مطلوب فإنه سوف يلعب دورًا مهمًّا في تقييم العلاقات بين الدول، وسيسهم في عملية صنع القرار المبني على الكم الهائل من المعلومات وجداول التحليل. كما أنها سوف تغير في مفهوم العمل الدبلوماسي التقليدي، وذلك وفقًا لمجموعة من المحددات السياسية والتفاعلات داخل منظومة العمل السياسي القائم على المعلومات المبرمجة، وذلك من خلال تنبُّئها بالمخاطر التي تضع كثيرًا من الخطط لمعالجة مختلف الأزمات.
"الروبوتات" التي بدأت فعليًّا في أعمال بسيطة، كالعمل في المطاعم والمقاهي والأسواق.. قد نشاهدها يومًا من الأيام تحتل مقاعد الدبلوماسيين في المنظمات الدولية، أو الاجتماعات الإقليمية.. فهل بالإمكان أن يكون لها اجتماعاتها الخاصة والبعيدة عن وسائل الإعلام لصناعة العديد من القرارات، وتحديد مصائر الشعوب؟
الحقيقة الموجودة حاليًا أن العالم يسير نحو تغير سريع في كل شيء مواكبًا للتطوُّر الهائل في استخدامات العالم الافتراضي. تغيرت العديد من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية؛ فلم تعد تلك الحميمية المجتمعية مطلبًا مهمًّا بتقييم العلاقة بين الفرد والمجتمع، حتى إدارة عجلة الاقتصاد لم تعد حكرًا على الأغنياء ورجال الأعمال؛ فممارسة الأعمال التجارية مع أي جزء في العالم والتبضع أصبحا أمرًا سهلاً، لا يحتاج لأذونات أو مقدمات.
فالعملية السياسية هي المرحلة القادمة للولوج في هذا العالم الجديد، الذي يتطلب منا الاستعداد لمواكبة هذه المرحلة المهمة والحساسة، وتقبُّلها دون التشكيك بقدرتها، أو التحجج بعدم مناسبتها لثقافتنا. فلا نكن من المجتمعات التي تضع العربة أمام الحصان، وتبدأ بعدها بمحاولة اللحاق بالركب. كما أنه يجب علينا إعادة بناء القدرات الشخصية؛ ليكون لدى كل فرد فَهم أساسي للذكاء الاصطناعي الذي يوفر للدبلوماسية كثيرًا من الوقت، ويسهم بالتقليل من المخاطر.
السعودية برؤيتها العملاقة الجديدة ٢٠٣٠، التي يقودها سيدي سمو "ولي العهد" -حفظه الله-، بدأت عمليًّا خطوات كبيرة لمنافسة كبرى الدول المتقدمة في العديد من المجالات. وقد يكون هذا المجال هو إحدى الخطوات القادمة.