الشرفات يكتب: محددات العرف وضوابط الحلّ لمجلس النواب .. !
د. طلال طلب الشرفات
القبة نيوز- ما كنتُ أرغب صادقاً أن أخوض جدلاً في المسلمات القانونية وعلى الأخص الدستورية منها، لولا أن تكرر غير ذي مرة رأي صديق يَحظى عندي بأرفع مراتب التقدير والإعجاب لا سيّما مسيرته في ديوان الرأي والتشريع التي أضافت للدولة الأردنية تجربة غنيّة في حسن الإدارة، وحصافة القرار في العمل التشريعي وصياغة النصوص. لكن إصرار الصديق الدكتور نوفان العجارمة ومنذ ( 2016) اعتبار حل مجلس النواب عرفاً دستورياً يستوجب التطبيق في كل مجلس أثار شجوني الذي لم يهدأ، ودفعني للكتابة ومحاولة استنفار رأي رجال الفقه والقانون لمزيد من العصف الذهني والحوار في هذا المجال الخطير والملح؛ والسبب يكمن في أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي حتماً إلى انقلاب خطير في المسلمات الدستورية والتي تحدد ملامح الدولة وضوابطها واسلوب ادارة السلطات فيها.
سمو النصوص الدستورية، ووجوب تطبيق العرف الدستوري في حال غياب النص واكتمال شروطه هي ثوابت لا يختلف عليها اثنان، ولكن السؤال بخصوص حل مجلس النواب المنصوص عليه في المادة (73) من الدستور؛ هل ينهض لاعتباره عرفاً دستورياً واجب التطبيق؟
لقد جاء في المادة المشار إليها : " إذا حُلّ مجلس النواب فيجب إجراء انتخاب عام بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بأربعة أشهر على الأكثر وتعتبر هذه الدورة كالدورة العادية وفق أحكام المادة (78) من هذا الدستور وتشملها شروط التمديد والتأجيل "، وهل ينهض العرف في ظل وجود النص؟ والى اي مدى يمكن الإجتهاد في ثوابت القواعد الدستورية ومنطلقاتها الاكيدة.
والحقيقة أن المشرع الدستوري أشار في مطلع هذه المادة بقوله: "اذا حل مجلس النواب .." بمعنى أنه لم يجزم بالحل ولم يوجبه باعتبار أن " إذا " هي أداة شرط غير جازمة، وهذا يعني لغوياً أن المشرع الدستوري لم يرغب بالذهاب بعيداً نحو الحل وإنما أراد أن يُشير إليه كحكم استثنائي دون لغو او ابهام، وهو ما يدعونا إلى القول أن الاستثناء لا يُبنى عليه حكم وإن تكرر تطبيقه وخاصة عندما يخضع التطبيق للصلاحية التقديرية لصاحب الشأن في تطبيق هذا الاستثناء، بل أكثر من ذلك فإن وجود النص ينفي الحاجة إلى إمكانية تطبيق أي "عرف" لم تتحقق شروطه ولم تكتمل أركانه، وهذا ما يدفعني للقول بإصرار أن تكرار تطبيق هذا الاستثناء في حل مجلس النواب قبل اكتمال مدته الدستورية ما هو إلا عادة لا ترقى إلى مستوى العرف أو حتى لا يمكن ان تقترب منه، وكذلك فإن العرف يقوم عادة بتعبئة لازمة لفراغ غاب عنه النص وهذا حكم لا يتوافر في حالتنا هذه.
وهناك سبب آخر لعدم جواز اعتبار الحل عرفاً ملزماً يتمثل في أن المشرع الدستوري عندما أجاز تغييب الركن النيابي مؤقتاً كان يفترض حالة الضرورة أو وجود ظرف أستثنائي، والضرورة تقدر بقدرها ولا يمكن أن ترتقي لتضحي قاعدة يمكن البناء عليها. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن الدستور عندما قرر "عقوبة" - ان صح التعبير - على الحكومة التي تشترك بالحل عدم جواز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة الجديدة اراد القول أن الحل طريق استثنائي لا يجوز التوسع فيه أو الذهاب إليه إلا بموجب هذه الضرورة المفترضة،سيما وان الفصل بين السلطات لا يجوز معه أن نقر عرفاً يخل بهذا المبدأ أو يعبث به.
يشير الاستاذ الدكتور العجارمة في معرض دفاعه عن اعتبار حل المجلس عرفاً دستورياً ملزماً إلى وجود مفهوم العرف المخالف في الفقه والتطبيق الدستوري؛ أي ذاك الذي يعارض صريح النص، وعرف التطبيق، وإذ كنّا لا نقره في رأيه بمفهوم العرف المخالف باعتبار أن الإقرار بذلك يشكل استبدالاً للنص إضافة إلى أن هذا المفهوم لا يوجد له تطبيق إلا في الدساتير الجامدة جموداً قاسياً، في حين أن الدستور الأردني يقترب من مفهوم الدستور المرن وإن كان يشترط أغلبية ثلثي أعضاء كل من مجلسي النواب والأعيان عند التعديل سيّما وأنه قد تم إقرار تعديلات جوهرية على الدستور غير ذي مرة بالإضافة والشطب. وأما العرف بالتطبيق فهو وإن كان قد وجد تطبيقات في دساتير اخرى محدودة إلا أن هذا المفهوم يعني تفسير النص الدستوري توسعاً أو تضييقاً ولكنه لا يخالف صحيح النص أو يحمّله أكثر مما يحتمل، بل أكثر من ذلك إذ لا يجوز معه مخالفة القواعد الأساسية للفصل بين السلطات.
لعلي لم أجد سبباً واحداً للاتفاق مع الصديق المقدّر حول هذا الأمر ، والسبب هو أن كل المعطيات تشي بغير ما ذهب إليه من حيث التفسير دون توسع في الاستثناء وعدم قيام أركان العرف أصلاً هنا وعلى الأخص الركن المعنوي، وضرورة الالتزام بقواعد الفصل بين السلطات الدستورية، وحتماً سنجد أن الأصل الدستوري يتضمن بقاء الركن النيابي في الحكم كضرورة دستورية وسياسية لا يجوز تجاوزها إلا في ظروف ضيقة جداً يمكن تفهمها؛ لأن صاحب الشأن - حامي الدستور ورأس الدولة - هو الأقدر على تحديد ملامح الأفق دون أن يصل الأمر إلى اعتباره عرفاً.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ...!!
سمو النصوص الدستورية، ووجوب تطبيق العرف الدستوري في حال غياب النص واكتمال شروطه هي ثوابت لا يختلف عليها اثنان، ولكن السؤال بخصوص حل مجلس النواب المنصوص عليه في المادة (73) من الدستور؛ هل ينهض لاعتباره عرفاً دستورياً واجب التطبيق؟
لقد جاء في المادة المشار إليها : " إذا حُلّ مجلس النواب فيجب إجراء انتخاب عام بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بأربعة أشهر على الأكثر وتعتبر هذه الدورة كالدورة العادية وفق أحكام المادة (78) من هذا الدستور وتشملها شروط التمديد والتأجيل "، وهل ينهض العرف في ظل وجود النص؟ والى اي مدى يمكن الإجتهاد في ثوابت القواعد الدستورية ومنطلقاتها الاكيدة.
والحقيقة أن المشرع الدستوري أشار في مطلع هذه المادة بقوله: "اذا حل مجلس النواب .." بمعنى أنه لم يجزم بالحل ولم يوجبه باعتبار أن " إذا " هي أداة شرط غير جازمة، وهذا يعني لغوياً أن المشرع الدستوري لم يرغب بالذهاب بعيداً نحو الحل وإنما أراد أن يُشير إليه كحكم استثنائي دون لغو او ابهام، وهو ما يدعونا إلى القول أن الاستثناء لا يُبنى عليه حكم وإن تكرر تطبيقه وخاصة عندما يخضع التطبيق للصلاحية التقديرية لصاحب الشأن في تطبيق هذا الاستثناء، بل أكثر من ذلك فإن وجود النص ينفي الحاجة إلى إمكانية تطبيق أي "عرف" لم تتحقق شروطه ولم تكتمل أركانه، وهذا ما يدفعني للقول بإصرار أن تكرار تطبيق هذا الاستثناء في حل مجلس النواب قبل اكتمال مدته الدستورية ما هو إلا عادة لا ترقى إلى مستوى العرف أو حتى لا يمكن ان تقترب منه، وكذلك فإن العرف يقوم عادة بتعبئة لازمة لفراغ غاب عنه النص وهذا حكم لا يتوافر في حالتنا هذه.
وهناك سبب آخر لعدم جواز اعتبار الحل عرفاً ملزماً يتمثل في أن المشرع الدستوري عندما أجاز تغييب الركن النيابي مؤقتاً كان يفترض حالة الضرورة أو وجود ظرف أستثنائي، والضرورة تقدر بقدرها ولا يمكن أن ترتقي لتضحي قاعدة يمكن البناء عليها. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن الدستور عندما قرر "عقوبة" - ان صح التعبير - على الحكومة التي تشترك بالحل عدم جواز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة الجديدة اراد القول أن الحل طريق استثنائي لا يجوز التوسع فيه أو الذهاب إليه إلا بموجب هذه الضرورة المفترضة،سيما وان الفصل بين السلطات لا يجوز معه أن نقر عرفاً يخل بهذا المبدأ أو يعبث به.
يشير الاستاذ الدكتور العجارمة في معرض دفاعه عن اعتبار حل المجلس عرفاً دستورياً ملزماً إلى وجود مفهوم العرف المخالف في الفقه والتطبيق الدستوري؛ أي ذاك الذي يعارض صريح النص، وعرف التطبيق، وإذ كنّا لا نقره في رأيه بمفهوم العرف المخالف باعتبار أن الإقرار بذلك يشكل استبدالاً للنص إضافة إلى أن هذا المفهوم لا يوجد له تطبيق إلا في الدساتير الجامدة جموداً قاسياً، في حين أن الدستور الأردني يقترب من مفهوم الدستور المرن وإن كان يشترط أغلبية ثلثي أعضاء كل من مجلسي النواب والأعيان عند التعديل سيّما وأنه قد تم إقرار تعديلات جوهرية على الدستور غير ذي مرة بالإضافة والشطب. وأما العرف بالتطبيق فهو وإن كان قد وجد تطبيقات في دساتير اخرى محدودة إلا أن هذا المفهوم يعني تفسير النص الدستوري توسعاً أو تضييقاً ولكنه لا يخالف صحيح النص أو يحمّله أكثر مما يحتمل، بل أكثر من ذلك إذ لا يجوز معه مخالفة القواعد الأساسية للفصل بين السلطات.
لعلي لم أجد سبباً واحداً للاتفاق مع الصديق المقدّر حول هذا الأمر ، والسبب هو أن كل المعطيات تشي بغير ما ذهب إليه من حيث التفسير دون توسع في الاستثناء وعدم قيام أركان العرف أصلاً هنا وعلى الأخص الركن المعنوي، وضرورة الالتزام بقواعد الفصل بين السلطات الدستورية، وحتماً سنجد أن الأصل الدستوري يتضمن بقاء الركن النيابي في الحكم كضرورة دستورية وسياسية لا يجوز تجاوزها إلا في ظروف ضيقة جداً يمكن تفهمها؛ لأن صاحب الشأن - حامي الدستور ورأس الدولة - هو الأقدر على تحديد ملامح الأفق دون أن يصل الأمر إلى اعتباره عرفاً.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ...!!