الشوابكة يكتب : لكبار البلد
طه عبدالوالي الشوابكه..
مهداة الى كبارية البلد...اللي اكلوا البيضة والرغيف واختفوا.....
تزوجت فلحة الوراد...سلامة السيناوي...التأم شملهما بعد طويل لأي...كان سلامة رجلا معسرا لكنه عزيز النفس..لقد ادرك جيدا ان ( النسب ان لم يكن مالا ومنفعة تستاثر بهما فليكن عزا واصلا تعتز بهما وتفخر)...يقولون في الامثال الاردنية الشعبية (النسب يا عز يا ماكلة)...وعلى ايّ جنب منهما كان لسلامة مطمعه....ومطمحه...
مضت السنون...والعُجف والعَوَز كانا وسيظلان مصير الزاهدين في متطلبات العيش سوى قليل من الكفاف...وكلما عاد سلامة الى بيته الذاوي كعرجون قديم...تلمح فلحة تمعجات وجهه وتقصف ملامحه وتقطب حاجبيه...تدرك فلحة ان العيش على الطوى مسغبة وهي للرجال نقيصة وللهوان مجلبة....فتقول له :
يا ابن عم....ان ابي صاحب مال وصاحب شياه كثيرة....اعطاه الله ما لم يعطنا....لِم لا نضع الشرق نصب اعيننا واياك...نحو ديرة اهلي...سنذهب وناتي بكل الخير.... السمن واللبن والصوف اذ الصوف اعز من الولد واغلى من الذهب الاصفر في عرف نساء الفاقة....يسمعها سلامة لكنه المتخم المترع بسجايا الرجولة والشهامة...يقول لنفسه...الا تدرك هذه الحرمة اننا قوم رغم عيشنا على الطوى...لكننا نجوي جوعنا في قلوبنا ونرفع رؤوسنا امام العاديات مهما كان فينا الجوى والنوى؟ فيصدها قائلا...سيرزقنا الله ببركة ايدينا وما لنا ولمال ابيكِ يا فلحة؟
سجال ونقاش يجري بين زوج وزوجته فينتهي بانتصار سلامة على فلحة لتصمت وتخبو وتيرة فلحة في التباهي والوعود بما يمكن لهما ان يجنياه من خير ابيها في ديرة مسيرها ثلاث ليال يقطعها حمار سلامة سيرا عبر المفازات الكؤود....
تستمر الحياة برتمها المترنح بين المكابرة وانكار الواقع المرير لسلامة وزوجته وعياله...وبين الحاح فلحة واستشراف الامل وهي تنظر للمشاريق...الشرق كان فسحة البدوي من اهل ديرتنا...تنظر الى الشرق حين تستدير الشمس وتتوارى خلف ظهرها...فتقول لسلامة ذات القول...تقول له يا ولد عمي...طاوعني ولو مرة...فيترك سلامة حبلا كان قد ارتخى من شقاوة الرياح ليشده...ينظر اليها باستغراب...فيكرر ذات المنوال...يعلو صوته زاجرا...الم اقل لك انني في غير حاجة لخير ابيكِ؟ التمتمة سرا والوتوتة سلاح النساء في عالم انتصب على ذكورية التاسيس والنشأة..تتبرم فلحة بشتائم ونعوت تطلقها سريعة نحو الخلاء لتشفي غليلها من عناد سلامة....ثم تعود القهقرى الى داخل البيت الذي يخفق مع الريح كقلب ريم شرود واجهت حيوانا مفترسا..
لكن فلحة لا تنفك بين حول وحول على تكرار هذه اللازمة المعيشية على مسامع سلامة...وبين فكين...فك الفقر وضيق الحال وفك فلحة شديد النوال يذعن سلامة اخيرا...يقرها على ما اقترحت على مدى شهور وسنوات...تفرح فلحة بالنصر اخيرا على نمط من رجال الديرة...نمط عنيد حد الكفر والعياذ بالله...فيسرج سلامة حماره...يستودع بيته لمن ارتاح له من اهله...يمم وجهه وفلحة نحو الشرق...يسبقه حماره الذي تعتليه فلحة بكل فرح وبهجة...وقود حمارها خليط من الشوق وخليط من اوكسيج الشرق المعتق برائحة الاهل والنفل الذي خبرته طفلة تحللت من فقر الرجال وتبعيتهم اذ لم يكن لها بالحاجة عازة (وهي تقول درب الاهل طويلة يا سلامة...ما لهذا الحمار اللعين لا يقطع المسافات رغم مضاء المنخاش الذي اشتريته من الدواج اللعين؟)...
يصمت سلامة والجواب مفتوح على مصراعيه....لكل احتمال...
ثلاثة ايام بلياليها مضت حتى شارف حمار سلامة على الديرة الموعودة كانها اورشليم في وجدان بني اسرائيل حين هجروا مصر نحو ارض المعياد فتاهو التيه الاكبر اربعين عاما....
اقتربا وحمارهما قد ازبد وارغى من وعثاء السفر والظمأ...اقتربا اكثر نحو الديرة...عاينت فلحة بوضع كفها اليمنى فوق حاجبيها لتخفف من انكسارات الشمس، اخذت تستجلي مفاتن الديرة اكثر فاكثر....صرخت باعلى صوتها فرحة مندهشة...انظر يا سلامة ذاك هو ابي...ذاك ابي....نظر سلامة الى ما اشارات بيدها، نحو رجل شحيح القامة والبنية...قال لها ذاك هو ابوكِ ؟ امتأكدة انت؟ قالت اقسم انه هو، اتجهل البنت ابيها يا سلامة ؟....كان ابوها في وسط مجموعة من الخراف....يمسك بيده مقصا تراءى له من بعيد ....كان الرجل منهمكا في قص الوبر الذي يتدثر به كلب يتحلق القطيع.... سالها سلامة ( هل هو ابوك هذا الذي يجز وبر الكلب؟ قالت نعم انه ابي يا ابن عم....)...سالها سلامة سؤالا تشعبيا كخطيب (معلم الصغار) خبير في حرفته...قال لها لماذا يجهد نفسه بقص وبر الكلب والخراف حوله كثيرة وصوفها يتدلى على الارض؟...صمتت فلحة ولم تلوِ على الاجابة.....
تنهد سلامة...واطلقها مدوية في وجه فلحة...قال لها
يا فلحة ....هل ترتجين من قصاص chلبه صوف!
نهرها بِحدّة...وطفقا عائدين نحو الغرب....يجران خيبة الامل بمن ظنوه كريما جوادا.....
كتبها