facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

القطامين يكتب: حكمة الحضارة

القطامين يكتب: حكمة الحضارة

د. نضال القطامين

القبة نيوز-لا يزال الوباء يسعى لإحكام قبضته وفق ما يلوح في الأفق. لا تقف حدودٌ في وجه آلته البغيضة، وليس في نيته الإهتمام لا بحِكْمَة الحضارة ولا بسوءاتها. يغرس تيجانه بمزيد من السخرية.


إنه يلقّن كلَّ أولئك الذين علو في الأرض درسا قاتلا، ويؤكد، أن ليس للسياسة والمال، لكل تلك الغطرسة الباذخة، درعاَ منيعا من دبابيسه التي تغرز في قلب العالم المتحضّر، بقسوة وألم.

الناس مغرمون بنظريات المؤامرة، ويعتريهم، في ظلال الجائحة المرعبة، نهم للمعرفة وشغف، وبينما يهيئهم هذا التداعي الرهيب، لابتداع حواضن دافئة للأسباب، فإنهم يكدحون في البحث عن إشارات في بطون كتب ما سمع بها أحد، وفي ثنايا مدونات ومحاضر مؤتمرات ورسائل علم، غيبتها الرفوف في المكتبات العتيقة.

سواء أصاب تَكَهُّن الناس أم كان رجماً بالغيب وضرباً بالحصى، فإن الجائحة تقول لنا بالفم الملآن، أن هذا التمادي في الغلو، والتشاوف والجبروت، الذي تسلّق على سلالم القوة والمال والمعرفة، فقسّم العالم تبعا لهذا الصَلَف، إلى دول أولى وثانية وثالثة، فاحتكر العالم الأول المعرفة والقوة، واتخذها سبيلا للعجرفة والغرور، وبات يفرّق البلاد وينزع الأنظمة ويحق الباطل ويبطل الحقوق.

سيمضي وباء الكوفيد 19 في تمزيق النسيج. ليس في الأجساد وحسب، بل وفي روافع العتوّ التي كان اسمها العشرين والعشر والسبع والخمس، ولن ينصرف عنها حتى تستحيل القوة ضعفا والمعرفة جهلا أو دمارا.

في الحقيقة فإن العواقب ستكون أكثر سوءاً، على جميع الصعد، وأكاد أجزم أن إجراءات الإحتواء التي تمنحها الدول العظمى أولوية الآن، ستفضي حتماً إلى حَصيلَةٍ موجعة، في الإقتصاد الذي يواجه أسوأ أزمة له على الإطلاق في انهيارات متتالية للبنية الاقتصادية التي أنجزها العالم في القرن العشرين، وفي تراجع مقلق في التصنيع وارتباكٍ وهشاشة في سلاسل التوريد، فضلا عن أن مجمل إجراءات الوقاية التي تبدأ بإغلاق الحدود والمنافذ ولا تنتهي بتعطيل الحياة العامة، ستؤدي إلى فشل ذريع في نظرية العولمة الاقتصادية وتضاؤل مبين لأهدافها التي ساقها العالم المتحضر.

في السياسة والاحلاف، ستكون المحصلة أكثر فتكاً بوحدة العالم وانفتاحه، وسنرى ان عشنا عالما أقل انفتاحا وازدهارا وحرية، وستتمكن السلطة بيد الحكومات في سلسلة إجراءات الوقاية والحفاظ على الأمن، وستكون الشعوب أكثر ثقة بالحكومات الوطنية حيث تتعزز الدولة القطرية والهوية الاقليمية، فيما ستنفصل إجراءات التعامل مع الوباء إلى نهجين مقلقين، يتعلق أولها بما تقترفه الدول العظمى من نهج يسير نحو الإحاطة بالوباء والحفاظ على مسار حيوي في الإقتصاد والإنتاج، ونهج آخر لا يلقي بالا لغير المكافحة والوقاية والإحاطة، وليس من أولويات إجراءاته، منح الإقتصاد طاقة فرج أو فسحة للتعافي.

ينبغي على العالم كله، أن ينهج طريقا مشترك، تكون فيه كلفة الوقاية من المرض متوافقة مع كلف عواقب هذه الوقاية ومخرجاتها، فيما سيمضي هذا الوباء كما أتى، لكن ثمن انصرافه سيكون باهظا، في الناس وفي الإقتصاد وفي المعرفة، بل سيتعدى ذلك كله إلى تكوين جديد في مفاهيم الديمقراطية وفي وضع حدود للمعرفة القاتلة، قوامها الجديد إعمار الأرض، في إطار العدل والسويّة والإنصاف.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير