تداعيات سقوط حلب
بقلم الدكتور: مأمون عياصره .
* بعد صمودٍ أُسطوري هو الأطول في التاريخ ... و قصفٍ همجي غيرَ مسبوق بالطائرات و المدافع و الصواريخ والأسلحةِ الكيماوية المحرمةِ دولياً و براميل الحقد العمياء، و بعدَ حِصارٍخانق، و قطعِ لخطوطِ وطُرُقِ الإمدادِ الواصلةِ من تركيا عبر معبرِ بابِ السلامة ، و تدميرٍ لِكُلِ مقوماتِ الحياةِ الإنسانية كالمستشفيات ، و محطات المياه ، و الكهرباء ، و مستودعات التموين ، بشكلٍ بربربري مثّلَ إنتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ولِقوانين الحرب الدولية ، و بعدَ خذلانِ الحلفاء الإقليميين و الدوليين للمعارضة ، و بعدِ أن جاعِ المحاصرون ، و نَفِذَت ذخائرُ المقاتِلين، جاءَ المصير المحتوم فَ ..( سَقَطَت حَلَب ). فما هي تداعيات سقوط حلب على مختلف الأطراف ؟
أ- النظام الحاكم في سوريا.
أكبر الرابحين لما تمثله حلب من موقع جيواستراتيجي هام إقتصادياً و سياسياً و عسكرياً ، و كونها ثاني أكبر مدينة سورية بعد دمشق ، و بإحتلالها يقطع خط الإمداد و الدعم الرئيسي من تركيا للمعارضةِ المسلحة ، و هذا سيقوّي موقف النظام محلياً و دولياً ، كون العالم يتعامل مع حقائق على الارض و ليس بالعواطِف . وبعد انتصارالنظام في حلب سيتوجه لإستعادةِ إدلب لإكمال إستراتيجيَتُهُ بالسيطرةِ على المُدُنِ الكُبرى ، و قطعِ آخِرِ خطِ إمدادٍ للمعارضةِ من تركيا عبرَ معبَرِ باب الهوى ( إدلِب ) و مُحاصَرَةِ بقايا المعارضةِ بالأريافِ بعدَ قطعِ خطوطِ إمدادِها و مِن ثُمَّ القضاءِ عليها تِباعاً بعدَ إِستنزافِها .خاصةً مع تفرغ عشرات الآف المقاتلين التابعين للنظام للعمل في جبهات اخرى ، بعد ان كانوا مشغولين بتأمين حلب وما حولها ، اضافة للخبرات العسكرية الكبيرة التي اكتسبوها من معارك حلب خلال السنين الماضية .
ب- المعارضة السورية المسلحة .
في ظلِّ قطعِ خطِ الإمداد الرئيسي مع تركيا عبرَ باب السلامة الواصل لشرقِ حَلَب و الضُغوطِ الكبيرة من أمريكا على السعودية و تركيا لعَدَمِ تزويدِ المعارضةِ بأسلحةٍ نوعية و النقص الشديد في الأسلحةِ و التجهيزات و المعدات ، والخسائر البشرية الكبيرة و إنحسار قواتِ المعارضةِ في كانتونات منفصلة غير متصلة جغرافيا بشكل يُضعِفُها و يُسهل هزيمتها و السيطرةِ عليها ، و إنشغالِ المعارضةِ بالقتالِ على ثلاث جبهاتٍ مع تركيا ضد الأكراد في عملية درع الفرات ، و ضدِ قواتِ النظام ، و ضد تنظيم الدولةِ الإسلاميةِ كل هذا أدى لعدم توحيد جهدِ المقاومة بأتجاهِ هدفٍ واحد مما إستنزفها و أنهكَ قوتها.لذا فهي اكبر الخاسرين من سقوط حلب ،مادياً وبشرياً وعسكرياً ، وسيكون لسقوط حلب تداعيات سلبية في مختلف جبهات القتال مع النظام .
ج- تركيا و السعودية.
ستدفعانِ ثَمَنَ خُذلانِهِما للمعارضةِ و الرضوخِ للضغوطِ الأمريكيةِ . بحيث سينحسر تأثير و فعالية الدولتين في سوريا أمام توسعِ النفوذِ الإيراني و حزبِ الله ، مما سيترك تأثيراً على النفوذِ السعودي في البنان لاحِقاٍ ، اضافة للتعقيد المتوقع بالملف اليمني بضغط من ايران ، لمواصلة استنزاف السعودية والخليج ، وتوريطهما اكثر في المستنقع اليمني .
أما تركيا ، فسقوطُ حلب يعني وصول الحربِ لحُدودِها عبرَ تطويقِ حُدودِها بِحِزامٍ عَلَويٍ كُردي و هذا سيؤدي لتفاقُمِ مشكِلَةِ الأكرادِ في تركيا ، إضافةً لتفاقُمِ مُشكِلَةِ اللاجِئين السوريين في تركيا ، و ما يُسبِبَهُ من ضغطٍ إضافي على الموازَنَةِ التركية .
د- روسيا .
سَيُعزز سقوط حلب من موقف الرئيس الروسي بوتين داخل روسيا في ظل الصعوباتِ الإقتصاديةِ و تهاوي قيمة الروبِل الروسي ، و يعيدُ الإعتِبار لروسيا كقوةٍ دولية تحاول إعادة التوازُنِ للعلاقاتِ الدوليةِ و تأسيسِ عالمٍ متعددِ الأقطاب ،اضافة لعودتها كلاعب رئيسي و فاعل في القضايا الإقليمية .
ه- أمريكا.
يُساهِم سقوط حلب في تلاشي و فقدان المصداقيةِ الأمريكية لدى المعارضةِ السورية و باقي أصدقاءِ أمريكا في العالم ، و تراجُع النفوذ الأمريكي في المنطقة لصالح روسيا و إيران في ظل تبدّل أولويات السياسةِ الخارجيةِ الأمريكية بإتجاه جنوب شرق آسيا .
و- إيران.
من أكبر المستفيدين من سقوط حلب، حيث بدأ يتضح و يترسخ معالمُ هلالِ النفُوذِ الإيراني الطائفي الممتد من طهران لعاصمة العباسيين ( بغداد) مروراً بعاصمة الأمويين ( دمشق ) و صولاً لبيروت .
و هذا سيؤدي ايضاً لتنامي النفوذ الإيراني في اليمن ، و بعض الدول الخليجية مستقبلاً و سيكرس وضع إيران كأقوى دولة إقليمية بعد إسرائيل ، و هذا ما سينتج عنه تداعيات سلبية ستطال مختلف دول الاقليم و بالذات الخليجية منها .
ز- التنظيمات المتطرفة و العنف .
بعد سقوطِ حلب و ما إقترفتهُ قواتُ النظام السوري و المليشيات المتحالفةِ معها من قتلٍ و تشريد و تجويع و حصار و نهب واعدامات ميدانية ، و إغتصاب ، بحق المدنين الابرياء ،كل ذلك سيزيد من حجم الكراهية ِ و الحقد ، و سيقوي العناصر المتطرفة التي سيزداد عددها كتنظيمِ جبهة ِ النصرة ، و الدولة الإسلامية، لأنهما يمثلان الملاذَ لكلِ يائسٍ و حاقِدٍ على قتلِ أهله ِ ، و فقدُ بيتِهِ ، و إستباحةُ عِرضِهِ .
ح- النظام الدولي.
سقوط حلب مع ما رافقه من ارتكاب مجازررهيبة بحق الابرياء وانتهاكات جسيمة للقانون الانساني الدولي، اصاب مصداقيتُهُ بشرخٍ كبير بسببِ عُقمِ و عجزِ مجلس الأمن بنظامه الحالي ، عن فعلِ شيء ملموس على أرض الواقع ، و كَشَفَ زيف و كذب العالم مدعي التحضر و الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان ، الذي وقف عاجزاً أمام أكبر مأساةٍ إنسانية في تاريخ العصر الحديث .
واخيراً ... سيكون لسقوط حلب تداعيات كبيرة على الوضع السوري الداخلي ، والوضع الاقليمي والدولي برمته