مؤتمر الزرقاء: توزيع الأعباء والأدوار (1)
محمد داودية
يعرف متخذو القرار في العالم، اهمية التفاف الشعب الأردني حول الملك، ويأخذون ذلك بأعلى درجات الاعتبار، في وقت تثور فيه الشعوب على حكامها، ولا اقول قادتها.
وأستذكر هاهنا الملك الحسين، الذي أراد غرس تقاليد سياسية، بإشراك القوى السياسية الاردنية في صناعة القرار.
دعا الملك الحسين الأحزاب السياسية الأردنية الى اجتماع في الديوان الملكي افتتحه قائلا ان الشعوب ذات التقاليد العريقة في العمل السياسي والحزبي، تلجأ الى توزيع الأدوار، بين الحُكم والمعارضة.
تحدث الملك الحسين عن الاردن ومصالحه التي تتحقق عندما تصبح مصلحة كل مواطن.
حضر الاجتماع الدكتور اسحق الفرحان والدكتور عبد اللطيف عربيات وعزمي الخواجا ووليد عبد الهادي وتيسير الزبري واحمد النجداوي ويعقوب زيادين وسليمان عرار وعيسى مدانات وجمال الشاعر. وحضرتُ ممثلا عن الحزب الوطني الديمقراطي الاردني.
كان الملك الحسين يخضع لضغوط امريكية هائلة، من اجل ان يلحق بأنور السادات ويقدم تنازلات في المسألة الفلسطينية، طالما ناور لرفضها.
ومن اجل رفع الضغوط الخطيرة المنصبة على شخصه، استقوى الملك بمجلس النواب الذي يتمسك بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وحق العودة والقدس.
كانت فكرة «توزيع الأدوار» تلك، فكرة حيوية ومسارًا أردنيًا جديدًا، فيها الاحترام الكبير للقوى السياسية الاردنية، والاعتراف بها شريكا. كانت صيغة دفاع وطنية فعالة، يعلن الملكُ وِفْقها، انه ليس حاكما مطلقا، وانه لا يقرر وحده، في موضوع وطني قومي كبير. وان قواعد الصراع وموازين القوى الداخلية والاقليمية والدولية، تشهد تبدلات يجدر ان تتم مراعاتها.
كان واضحا ان خطرا داهما يتشكل على الملك وعلى النظام والكيان الاردني برمته، ان استمر الملك في رفض حلول تصفية القضية الفلسطينية.
تحدث الإخوان المسلمون فأعلنوا انهم سيناهضون الحلول السياسية. فأكد الملك على ان ذلك هو المطلوب. فموقف الإخوان يمده بطاقة مناورة اضافية.
تحدث سليمان عرار ببلاغته فأكد على جلال فكرة الملك واهميتها، وعلى ضرورة المضي عميقا في المسار الديمقراطي، ونبه الى خطورة الفساد والى اهمية توفير المصدات القانونية لرياحه الزاحفة العاتية.
وتحدث الدكتور جمال الشاعر بشجاعته، مطالبا بأن يتم احترام القانون والدستور من قبل الجميع، ومن كل اطراف المعادلة السياسية الاردنية، واشار الى ان الحركة السياسية الاردنية، حركة ناضجة، قادرة على تحمل مسؤولياتها بكفاءة.
حضرتُ الاجتماع، حاملا رزمة من الأفكار، التي أُقرّت في اجتماع خاص لحزبنا. تحدثتُ بكثافة عن التعددية السياسية وعن قوانين الحريات العامة وقانون الاجتماعات العامة وعن الصحافة والمطبوعات والنشر ودعم الاحزاب وتمكينها من العمل وعن دور النقابات المهنية الايجابي المساند لرؤى جلالة الملك والمنسجم مع نهج «توزيع الأدوار».
تحدث عدد من القادة الحزبيين، فبدا الهم الاردني ليس أولوية لهم !!
عندما انتهى الاجتماع، لم نلمس الاستياء المتوقع على وجه الملك السمح. فقد ظل محافظا على ابتسامته التي بدأ بها الاجتماع. صافَحَنا الملكُ وغادر برفقة الأمير زيد بن شاكر، الذي كان تنفسه الغاضب، كالزئير.
كان ذلك الاجتماع هو الاجتماع الاول والاخير.
كان جليا ان الملك «استقلّ خيرَنا»، وكان مؤكدا اننا اضعنا فرصة ثمينة عام 1991 وفّرها الملك العظيم ذو المكنون الديمقراطي والأفق الأسطوري والخيال السياسي الإستراتيجي والتكتيكي، الفائق المرونة والحكمة.
ما أشبه الليلة بالبارحة. التحديات تتجدد، والقدرة على المواجهة لم تترسم احداثياتها بعد! والملك لن يتمكن وحده من تحمل الضغوط. فماذا نحن فاعلون ؟!الدستور