القطامين يكتب: لحظة القلق الراهنة ..
د. نضال القطامين
من مفارقات الأزمات التي تعصف بالناس يوما بعد يوم، أن الأردنيين الذين دفعوا ثمناً باهظا من الشهداء للحفاظ على مبادئهم الجميلة في الحرية والكرامة والعروبة، هم اليوم أقرب للإنحدار بهذه المبادىء نحو هموم أساسية في العيش والخبز والعدل.
لقد بقيت الإختلالات التي تعتري سوق العمل همّاً مؤرقا. لا يمكن لأحد أن يدعي امتلاكه حلولاً سحرية لبطالة. يتعلق الأمر بجملة أسباب تراكمت عبر العقود.
في الوقت ذاته، لا يمكن بحال من الأحوال القبول باستمرار مشهد الباحثين عن العمل يذرعون كل الأبواب ولا يطرقون باب الحكومة.
تعرف الحكومات أنها ليست الدولة، ويعرف المسؤولون عن إدارة السياسة والإقتصاد والتكافل والتعاون ودوران آلالات في المصانع، أنهم ليسوا سوى موظفين عند هذا الشعب، لكنهم ما زالوا يقامرون بهذه المركبة ويدفعوا بها ناحية التخريب والتعطيل.
لا تصنع الحكومة شيئا حيال البطالة. ليس لديها الإستعداد للإنحناء أمام العواصف وتمرير الازمات بالروح الوطنية المعهودة، لا تصنع شيئا على الإطلاق سوى الدفع نحو المزيد من التأزيم، المزيد من الملفات المتشابكة وإضطرار الملك لأن يكون في صدارة الدفاع عن خيباتها في هذا الباب، الركون لتصريحات هزيلة، لا تسمن من ضعف الموقف وضآلة الحجة ولا تغني من جوع.
لم تفعل الحكومة شيئا سوى الإكتفاء بمناورات إثبات الوجود، وتسويق خجول لفرص تشغيلية يمكن أن تكون سبيل الخروج من الأزمة في البطالة والتشغيل. على امتداد عصف مسيرات الباحثين عن عمل، على امتداد توتر الحكومة في استيعاب قلق الشباب، لا تبدي الحكومة إكتراثاً في التسويق الحقيقي لفرص العمل في القطاع الخاص ولا حتى في القطاع العام.
ليس استعراضاً مهرجانيا ما فعلناه إبّان حكومة دولة الدكتور عبد الله النسور في موضوع البطالة. لا نتقن هذا الفن الذي يتقنه اللاعبون على الحبال المختلفة، لقد كان لنا قصب السبق في التفكير بشكل واقعي وجدّي في مشاكل البطالة وسوق العمل، حين ابتدأنا حملات للتنسيق بين باحثي العمل والقطاع الخاص. لم يخطىء تشرتشل عندما قال نحن سادةُ كلماتٍ لم تُنطَق، ولكننا عبيد تلك التي تركنا ألسنتنا تَزل بها..!
لقد كان ذلك في إطار سلسلة إجراءات تعلقت بتنظيم سوق العمل فيما يختص بملاحقة العمالة غير المرخصة وإغلاق معظم المهن أمامها، ولقد أتت هذه الجهود أكلها حين أوصلت نسب البطالة إلى حدود ١٣٪ وهذا موثق في دائرة الإحصاءات العامة.
كان يكفينا آنذاك مجد البدء وفتح الأبواب وكسر الجليد بين الشباب وفرص العمل في القطاع الخاص. لاحقاً، أنهت نزوات شخصية للحكومة التالية حلماً كان بإمكانه التأسيس لمخارج للأزمات المتتالية.
اليوم، ما تزال الحكومة تتعامل مع العمالة الوافدة المرخصة والغير مرخصه بإجراءات خجولة، بل أنها اعفتها من غرامات المخالفات وتأخير الترخيص. ولم يعد دور التفتيش ذا أولوية في أهداف تنظيم سوق العمل الاستراتيجية، وما زالت البطالة في نفق طويل مظلم.
أول الحلول الممكنة لأزمات البطالة المتراكمة، وهي حلول تقتضيها المرحلة الان، هي جهود إضافية غير تقليدية تتعلق بمبادرات تستهدف إحلال العمالة الوطنية محل الوافدة بكل تخصصاتها وفي كل المهن، فضلا عن النظر في الاستثمار والاقتصاد وضرورة رفع نسب النمو وهو المحرك الاول والأساسي للاقتصاد والذي يفرض وجوبا خلق فرص العمل في القطاعين العام والخاص.
أدرك تداخل السياسي بالإقتصادي في هذا السياق، لكنني أدعو لذلك مسنودا باضطرار الدولة لخلق أسباب الإستقرار.
اليوم، ما زالت الحكومات تواظب على تناسل الأزمة؛ تفخر أن الجامعات منحت قبولات لكل حملة التوجيهي، تستقبلهم الجامعات من مداخلها ليخرجوا إلى مدخل سوق العمل المتخم بالعمالة الوافدة المدربة والقطاع العام المكتظ بشكل مخيف. لا تفعل شيئا سوى أن تنتظر عشرات الالاف من خريجيها مشاريع قلق وأزمة وبطالة. فمالذي يحدث!
في منحى فصل الأزمات الداخلية في الوطن عن تهيئتها كمحطات صعود لصفقات سياسية خبيثة، يجب على الحكومة أن تعي أن هذه المرحلة تجاوزت التشبيك بين الباحثين عن عمل وبين القطاع الخاص. المطلوب الآن وطنيا وقبل كل شيء تداخل جراحي فوري يبدأ بوقف النزيف وكرة الثلج المتدحرجة، والبدء بعلاج أساسي ناجع لأزمات البطالة، وأول هذه الجهود، يجب أن يكون وقف التدفق الهائل لعشرات الالاف من الشباب الجامعيين ذوي التخصصات الأكاديمية نحو سوق ليس فيه عمل وان تبدأ كل وزارة بدراسة واقعها التشغيلي من حيث المواءمة بين احتياجات قطاعها في الداخل والخارج وما توفره كليات المجتمع والجامعات، وأن تباشر مسؤوليتها الكاملة عن البطالة في قطاعها بعيدا عن إلصاق المسؤولية بوزارة العمل.
لا يعني الإمعان في سياسة التجاهل والإنصراف عن قراءة الواقع قراءة وطنية شاملة، سوى المضي قدما لما يخطط لهذا البلد، عن قصد ودونه، وإذْ ذاك، فستجد الحكومات أنها متهمة، بصورة أو بأخرى، بأنها تسهّل وسائل تنفيذ المشاريع التي ما انفكّت تستهدف هذا البلد، وهذا ما لا نعتقده ولا نرغب به.
من مفارقات الأزمات التي تعصف بالناس يوما بعد يوم، أن الأردنيين الذين دفعوا ثمناً باهظا من الشهداء للحفاظ على مبادئهم الجميلة في الحرية والكرامة والعروبة، هم اليوم أقرب للإنحدار بهذه المبادىء نحو هموم أساسية في العيش والخبز والعدل.
لقد بقيت الإختلالات التي تعتري سوق العمل همّاً مؤرقا. لا يمكن لأحد أن يدعي امتلاكه حلولاً سحرية لبطالة. يتعلق الأمر بجملة أسباب تراكمت عبر العقود.
في الوقت ذاته، لا يمكن بحال من الأحوال القبول باستمرار مشهد الباحثين عن العمل يذرعون كل الأبواب ولا يطرقون باب الحكومة.
تعرف الحكومات أنها ليست الدولة، ويعرف المسؤولون عن إدارة السياسة والإقتصاد والتكافل والتعاون ودوران آلالات في المصانع، أنهم ليسوا سوى موظفين عند هذا الشعب، لكنهم ما زالوا يقامرون بهذه المركبة ويدفعوا بها ناحية التخريب والتعطيل.
لا تصنع الحكومة شيئا حيال البطالة. ليس لديها الإستعداد للإنحناء أمام العواصف وتمرير الازمات بالروح الوطنية المعهودة، لا تصنع شيئا على الإطلاق سوى الدفع نحو المزيد من التأزيم، المزيد من الملفات المتشابكة وإضطرار الملك لأن يكون في صدارة الدفاع عن خيباتها في هذا الباب، الركون لتصريحات هزيلة، لا تسمن من ضعف الموقف وضآلة الحجة ولا تغني من جوع.
لم تفعل الحكومة شيئا سوى الإكتفاء بمناورات إثبات الوجود، وتسويق خجول لفرص تشغيلية يمكن أن تكون سبيل الخروج من الأزمة في البطالة والتشغيل. على امتداد عصف مسيرات الباحثين عن عمل، على امتداد توتر الحكومة في استيعاب قلق الشباب، لا تبدي الحكومة إكتراثاً في التسويق الحقيقي لفرص العمل في القطاع الخاص ولا حتى في القطاع العام.
ليس استعراضاً مهرجانيا ما فعلناه إبّان حكومة دولة الدكتور عبد الله النسور في موضوع البطالة. لا نتقن هذا الفن الذي يتقنه اللاعبون على الحبال المختلفة، لقد كان لنا قصب السبق في التفكير بشكل واقعي وجدّي في مشاكل البطالة وسوق العمل، حين ابتدأنا حملات للتنسيق بين باحثي العمل والقطاع الخاص. لم يخطىء تشرتشل عندما قال نحن سادةُ كلماتٍ لم تُنطَق، ولكننا عبيد تلك التي تركنا ألسنتنا تَزل بها..!
لقد كان ذلك في إطار سلسلة إجراءات تعلقت بتنظيم سوق العمل فيما يختص بملاحقة العمالة غير المرخصة وإغلاق معظم المهن أمامها، ولقد أتت هذه الجهود أكلها حين أوصلت نسب البطالة إلى حدود ١٣٪ وهذا موثق في دائرة الإحصاءات العامة.
كان يكفينا آنذاك مجد البدء وفتح الأبواب وكسر الجليد بين الشباب وفرص العمل في القطاع الخاص. لاحقاً، أنهت نزوات شخصية للحكومة التالية حلماً كان بإمكانه التأسيس لمخارج للأزمات المتتالية.
اليوم، ما تزال الحكومة تتعامل مع العمالة الوافدة المرخصة والغير مرخصه بإجراءات خجولة، بل أنها اعفتها من غرامات المخالفات وتأخير الترخيص. ولم يعد دور التفتيش ذا أولوية في أهداف تنظيم سوق العمل الاستراتيجية، وما زالت البطالة في نفق طويل مظلم.
أول الحلول الممكنة لأزمات البطالة المتراكمة، وهي حلول تقتضيها المرحلة الان، هي جهود إضافية غير تقليدية تتعلق بمبادرات تستهدف إحلال العمالة الوطنية محل الوافدة بكل تخصصاتها وفي كل المهن، فضلا عن النظر في الاستثمار والاقتصاد وضرورة رفع نسب النمو وهو المحرك الاول والأساسي للاقتصاد والذي يفرض وجوبا خلق فرص العمل في القطاعين العام والخاص.
أدرك تداخل السياسي بالإقتصادي في هذا السياق، لكنني أدعو لذلك مسنودا باضطرار الدولة لخلق أسباب الإستقرار.
اليوم، ما زالت الحكومات تواظب على تناسل الأزمة؛ تفخر أن الجامعات منحت قبولات لكل حملة التوجيهي، تستقبلهم الجامعات من مداخلها ليخرجوا إلى مدخل سوق العمل المتخم بالعمالة الوافدة المدربة والقطاع العام المكتظ بشكل مخيف. لا تفعل شيئا سوى أن تنتظر عشرات الالاف من خريجيها مشاريع قلق وأزمة وبطالة. فمالذي يحدث!
في منحى فصل الأزمات الداخلية في الوطن عن تهيئتها كمحطات صعود لصفقات سياسية خبيثة، يجب على الحكومة أن تعي أن هذه المرحلة تجاوزت التشبيك بين الباحثين عن عمل وبين القطاع الخاص. المطلوب الآن وطنيا وقبل كل شيء تداخل جراحي فوري يبدأ بوقف النزيف وكرة الثلج المتدحرجة، والبدء بعلاج أساسي ناجع لأزمات البطالة، وأول هذه الجهود، يجب أن يكون وقف التدفق الهائل لعشرات الالاف من الشباب الجامعيين ذوي التخصصات الأكاديمية نحو سوق ليس فيه عمل وان تبدأ كل وزارة بدراسة واقعها التشغيلي من حيث المواءمة بين احتياجات قطاعها في الداخل والخارج وما توفره كليات المجتمع والجامعات، وأن تباشر مسؤوليتها الكاملة عن البطالة في قطاعها بعيدا عن إلصاق المسؤولية بوزارة العمل.
لا يعني الإمعان في سياسة التجاهل والإنصراف عن قراءة الواقع قراءة وطنية شاملة، سوى المضي قدما لما يخطط لهذا البلد، عن قصد ودونه، وإذْ ذاك، فستجد الحكومات أنها متهمة، بصورة أو بأخرى، بأنها تسهّل وسائل تنفيذ المشاريع التي ما انفكّت تستهدف هذا البلد، وهذا ما لا نعتقده ولا نرغب به.