ثورة جياع سياسية ...
الدكتورة ميساء المصري
القبة نيوز-يضربون عن الطعام من أجل حق العيش بكرامة , فهل يمكن للجوع أن يكون سلاحا...؟ هذا السؤال يطرح الآن في عام 2019، لكنه طرح على التاريخ البشري بكل الأزمنة الظلامية من الكهف حتى الطوابق المئة ، ومن الحجر والقوس الى الأسلحة النووية، فالجوع كان دائما ذا حدين، وهناك ثورات كبرى في التاريخ أطلق عليها اسم (ثورات الجياع )، وهي الأعنف والأشد خطورة لأنها تاتي على كل شيء . بدءا من ثورة الحرافيش في زمن المماليك ومرورا بالثورة الفرنسية في عصر ماري انطوانيت ووصولا الى ثورات عربية وسترات ملونة نتابع مجرياتها .
ولا تغفلوا أيضا ..أن الأنسان الجائع المقهور قادرعلى فعل أي شيء للحصول على قوته فالفقر قرين الكفر , فالشخص الذي لا يملك شيئاً لا يخاف على فقدان أي شيء، والشعوب المظلومة لا تستطيع الصبر طويلاً , خاصة اذا علمت أن هذا الجوع مفروض عليها بسبب سرقة أموالها من قبل مسؤولية فاسدة وغياب العدالة الإجتماعية وتراه أمامها كل يوم بصورة إستفزازية تدفعه للقهر دفعا.
لا تنكروا .. بأن هناك شعب ينتفض ضد الفساد والفقروالجوع , فليست حكمة قيلت ولا مقولة فلسفية بل هي نوايا و مقولة جادة وصادقة أصبحنا نسمعها لمن أحس باليأس بسبب جوع وفقر أستبد بهم وشدهم إليه حد العناق , فلا حريات ولا كرامة للإنسان ما دام يعانقه الجوع والمرض والفساد أمام عينه .
لا نريد مزايدات , الطبقة الوسطى إندثرت وتقلصت والمقدرة الشرائية تدهورت بل لنقل أصبحت عبئا لشعب كان يصدرالقمح قديما وأصبح اليوم يفتقد الى الخبز ولا يقدرعلى توفير ما يأكله بالخبز , ويصبح رب العائلة غير قادرعلى قوت عائلة حظها الوحيد كونها رعية لحكومة برنامجها الوحيد تفقير الشعب.. بل حسب إعتراف الحكومة نفسها ان غير المقتدرين على توفيرالخبز ، أكثر من 5 ملايين أردني، أي حوالي 60% من الأردنيين. أليست مأساة ؟؟؟..
بات المواطن اليوم يعيش في المجهول السياسي والفقر الإقتصادي، فلا الخطابات السياسية أشبعته بل زادت من خيبته , ولا الصراعات السياسية النوابية حققت كرامته. ونسب الإخفاق الحكومي تزداد يوما بعد أخر, ونسب خيبة الأمل تفوق الحد, ولا ننسى نسب أخرى تستنزف جيبنا حتى تركنا الجيب بلا رتق .
يكفينا مواربة ..بالحديث عن مكافحة الفساد لأكثر من عقد من الزمان ولم ينجح أي مسؤول في إقناع المواطن الأردني ان الفساد يتراجع في الأردن، بل على العكس تماما. أصبحت الصورة واضحة , فقدان الثقة و إتساع الفجوة بتهميش المواطن وإعتباره درجة سابعة ، وإستمرار الفساد وإزدياد البطالة الى نسبة تتجاوز ال 40 %. وتقديم الشعب ككبش فداء لفشل سياساتهم وحكوماتهم.
نعلم جيدا .ان الشعب كان لا يستطيع المواجهة بالوسائل التقليدية وكانت رسائله ناعمه تعبرعن وجود أمل بتفهم صاحب القرار وفعله لشئ، لكن للأسف كانت النتيجة سطحية. لتصبح المسيرات من حيث لا يدري أحد , واحدة من مؤشرات ثورة الجياع ، فالدولة فقدت الفرصة والنتيجة سترتد بالمحصلة على أصحابها وعلى الدولة .
فثورة الجياع لا يوقفها شيء لأنها إنفجار داخلي في النفوس ولا يحتاج لأكثر من شراره طائشه.وتقارير السفارات الأجنبية في عمان لعواصمها تؤكد ان الوضع ليس بالسهل، وعلى الملك أن ينتبه جيدا لما يحاك لهذا البلد .
بدأ الأضراب عن الطعام ولا نعرف اذا كنا سنشاهد مقاربة من بعضهم تشبه مقاربة الأسرى في سجون الإحتلال وتضامن الغافلين معهم بحملة شرب الماء والملح في صورة إستفزازية لا تحمل معنى الشعور بالأمعاء الخاوية وتقزيم لقضية معنى الوطن وتقليد سطحي يفقد الشيء معناه .فوطني يخلو من ماكينات عظيمة لإتحادات عمالية تصل للعظم , ووسائل ونريد حلا سياسياً بإمتياز , ونتمنى ان لا ننساق الى فوضى او إنفلات امني او عنف وتدمير ...
وحمى الله الأردن وشعبه .