لماذا یرتعبونَ من النقد
- تاريخ النشر : 2019-01-04 17:12:49 -
القبة نيوز- یقصدُ بالمرتعبین في ھذا المقال بعضُ أصحاب الدولة السابقین ، والمعالي
والسعادة الحالیینَ في مجلسي الوزراء والنواب - وأغلبھا ألقاب منفعة في غیرِ
موضعِھا - ومن لفَّ لفَّھم ودار في ذاتِ الحمي المحميِّ ، الذین یخشون النقد بفعل
أخطائھم ،( وھنا یُذْكَرُ نوابٌ معاصرون وسابقون عملوا بصدق ولم یدخلوا في جیوبھم
قرشا واحدا حراما وما بدلوا تبدیلا فكانوا قدوة حسنة ولو شاءوا لأكلوا أموال الناس
والدولة بالباطل وبغیره ولكنھا الرجولة والأمانة والتقوى) ولیس الغریبُ ما یُعْلمُ
بالضرورة كیف تُوَزَّع المناصبُ والأعطیاتُ الوظیفیة التي أبى بعضُھم إلا أن توزعَ
بالباطل بعزِّ عزیزٍ أو بذُلِ فقیر، والحالُ معروف لا ینجِّـمُھ منجمٌ ولا یخطُّھ عرَّاف ولا
كذلك الضارباتُ بالحصى ، والسؤالُ الوجودي الأردني ھو: حینما یخطئ المسؤول
خطأ أو خطیئةً لا فرق بینھما ، لماذا لا یُسْمَعُ لرأي المواطنِ أكان بریئا أم عبثیا أم
فاضحا ؟ وھنا یستطیعُ المسؤولُ المحميُّ بكل التعلیمات والأنظمةِ أن یشكو في المحاكم
كلَّ مَنْ باحَ بكلمة ناقدة ، وأما المواطنُ الناقدُ فلا یستطیع إلى ذلك سبیلا ودونھ كلُّ
الأھوال ، وخوفا من شیوع النقد شُرِّع قانونُ الجرائم المُعدِّلُ أصلا لحمایة المسؤولین ؛
لأنھم لا یستطیعون العمل تحت الشمس فالخفاء أستر! فالمرعوبُ الذي یرتجف قلمُھ
ویضطربُ قلبُھ وترتعدُ فرائصُھ من النقدِ لیس جدیرا بأي مسؤولیةٍ ، فكان الحلُّ في
تخویف مَنْ یراقبُون ویتابعون من الناس بعد أن تشابھَ علینا الوزراءُ والنوابُ فتوارتِ
المراقَبات وراءَ الرَّغبات ، ألم تصبحْ عیونُ النواب عن عیوبِ الوزراء كلیلةً وكان
الردُّ من إخوتھم الوزراء : ولستُ بھیَّابٍ مَنْ لا یھابُني ، تلك ھي المسألةُ إذن ، والدلیل
على ذلك أن ھؤلاءِ وأولئك قد اتفقوا سرا وعلنا على القانون المعدل للجرائم
الألكترونیة ولولا حناجرُ الرابعِ وصیحاتُـھ لما أعیدَ إلى مجلس الوزراء وسَیُـفْـعَل بھ
ما فُعِلَ بأخیھ قانونِ الضریبة من قبلُ ، ولن یكون شھابُ الدین أفضلَ من أخیھ ، ولو
صدقوا لأقروا قانونا لجرائم الفساد والسارقین واللصوص والھاربین ومھربیھم والذین
تسللوا من الوطن لِواذًا ، ولكانَ سؤالُ الناس من أین لكم ھذه الأموالُ والقصورُ ھو
بدایةَ القوننة والحوكمة والنزاھة الراشدة ، وسیقولون بل تحسدوننا بل لا یكادون
یفقھون لسان الوطن المبین فقد نُـبِّـئَنا من أخباركم وسوآتِكم ولكنكم قوم تفرقُونَ ، ولو
صدقتم الفعلَ لقلتم كما قال المتنبى :
وإذا أتتكَ مذمتي من ناقصٍ فھي الشھادةُ لي بأني كامل
فالمشكلة التي تستعصي على إدراك وعي المسؤولین ھي: مالیة اختلاسیة ارستقراطیة
ولیس أخلاقیة شعبیة ، وللأسف فقد تحولت إلى أسریة إقطاعیةٍ.
وبعد ، فتبدو مشكلة قانون الجرائم الألكترونیة متأرجحة بین حقین من حقوق
الإنسان ھما : حق المواطن في التعبیر عن رأیھ وحق الحكومة في ضبط النظام ومنع
الاعتداء على حقوق الآخرین ، وھذا القانون یحتاج إلى إعادة التوازن بین الحقین بلا
تشدد من المشرِّع وكذلك بلا تفریط .
لقد نصت المادة 1/15 من الدستور الأردني على أن : " تكفل الدولة حریة
الرأي ، ولكل أردني أن یعرب بحریة عن رأیھ بالقول والكتابة والتصویر وسائر
وسائل التعبیر بشرط أن لا یتجاوز القانون " فالحكومة ملزمة بكفالة حریة التعبیر،
لكن في ظل القانون الذي یكفل حقوق الناس جمیعا فالحریة مقیدة ، ولھذا فالمطلوب
من القانون المعدل ھو أن یكون واضحا دالة أحكامُھ غیر تعسفیة مع توافر الضمانات
القضائیة ، والتقیید جاء لاحترام سمعة الآخرین وحقوقھم ولحمایة الأمن الوطني
والنظام العام وما فیھ من آداب وأخلاق وتقالید متعارف علیھا ومنع الجریمة أو إفشاء
المعلومات السریة ونزاھة السلطة القضائیة والترویج لأفكار حِرابیَّةٍ إرھابیة أو تحقیر
الدولة أو إھانة أي معتقد أو إذاعة أخبار كاذبة وغیر ذلك ، وھذا كلھ یحتاج إلى
مسؤولیة ضابطة ، ومتابعة من كل المعنیین في أجھزة الدولة بالحق، وقد نصت المادة
7 /2 من الدستور على أنَّ " كل اعتداء على الحقوق والحریات العامة أو حرمة الحیاة
الخاصة للأردنیین جریمة یعاقب علیھا القانون" وھي لا تتعارض مع الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان الذي ینص على أنھ " لكل شخص حق التمتع بحریة الرأي والتعبیر
ویشمل ھذا الحق حریتھ في اعتناق الآراء دون مضایقة وفي التماس الأنباء والأفكار
وتلقیھا ونقلھا إلى الآخرین بأیة وسیلة ودونما اعتبار للحدود" وفي ضوء ذلك یمكن
القول : إن مشروع القانون الموجود حلیا یحتاج إلى دراسة وتمحیص في ظل
الظروف الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة بحیث لا یكون سیفا مرفوعا على رقاب
الناس ، وأن تكون الحكومة واضحة في أعمالھا وسلوكیاتھا للمواطنین سرا وعلانیة
فلا تترك مجالا للشكوك یدور على ألسنة الناس ، فمنصات التواصل الاجتماعي
أضحت كمجالس الغیبة والنمیمة لكنھا مكشوفة معلنة فیھا الصدق وفیھا الكذب ، وأن
لا یضعَ المسؤول نفسھ في مواقع الریبة والشبھات المالیة والتوسطیة وغیرھا ، ونظن
أن الأردنیین یدركون ما یحیط بھم ولا یخفى علیھم ما یقوم بھ المسؤولون ، وتعلیقاتُھم
في أغلبھا نقد ساخر لا یصل إلى الاغتیال الشخصي أو الجسدي أو الإجرام القولي أو
الفعلي ، ومن لا یعجبھ ذلك من المسؤولین فلیجلسْ في بیتھ فالمنصب شرفٌ ولیسَ
ترفا، فماذا ینتظرون من شعب مقھور یرى بأم عیونھ الفسادَ یلتھمُ خزائنَ الأرض وما
ادَّخره لسِنِي یوسفَ.
فالقانون یحتاج إلى إعادة قراءة من الإعلامیین ، وبخاصة أصحاب الصحف
المكتوبة والألكترونیة والقانونیینَ والشباب والھیئة القضائیة والأجھزة الأمنیة والنقابات
وأساتذة الجامعات ، فكلٌ عنده تجربتھ ، ألم تزعُم الحكومةُ أنھا فتحت منصاتٍ للتغذیة
الراجعة ؛ فالقوانین الخطیرة الكبرى ینبغي أن یكون للناس فیھا رأيٌ في غیاب مجلس
نواب - أعظم اللهُ أجرَ الأردنیین فیھ - معروفةٌ محسوبةٌ أصواتھ ، ومجلسِ أعیان - رحم
الله عظامَ أعمدتھِ النَّخِرَة – كراسیُّھ محنطةٌ منذ العصورِ العُصْمَلیَّة ؛ فالتروي قبل
إقراره خیر للحكومة والمواطنین الذین ھم بحاجة إلى قانون وطني حقیقي ینطلق منھم
ولا یفرض علیھم فرضا ، والتوعیة بنصوص القوانین ومآلاتھا ضرورة لا بد أن
خیرَ فیھ إن لم یسمع النصیحة أو النقد. تنھض بھا أجھزة الدولة ، وحتى لا یرتعدَ المسؤول فعلیھ الصدق في القول والعمل فلا.
تابعوا القبة نيوز على