النصیبُ المفروضُ من التوریثِ الوزاريِّ بالمصاھرة
- تاريخ النشر : 2018-12-24 11:45:41 -
أ.د. خلیل الرفوع
القبة نيوز-ھناك آیاتٌ قرآنیة في بدایة سورة النساءِ تتناول النصیبَ المفروض
للورَثة ، بحیث لم تتوقف عند الأبناء والبنات فقط بل أعطت غیرھم من أولي
القربى ، ولم یحرم الیتامى والمساكین إن حضروا القسمةَ ، وقد اقتصر الأمر
في كل الآیات تلك على المیراث المالي ، وأما ما یُتَورَّثْ من الأنبیاءِ لم یكن
مالا بل كان علما ؛ فكان العلماءُ الربانیونَ ورثةً للأنبیاء ، وكان دعاءُ زكریا
علیھ السلام أنْ یرزقَـھ الله ولیَّـا یرث النبوة من بعده ، فاستجیبتْ دعوتُـھ
فوھبھ الله تعالى یحیي وجیھا في الدنیا والآخرة ، وكان قتْـلُھ على أیدي نفر
من بني إسرائیل ملمحا تاریخیا عَـقَـدیًّا یوحي بأن الله وحده ھو من یحدد
الوراثة في النبوة والحكمة ، وأما نحن فقد نُسِخَتِ الآیات أو نُسِئَت عندنا ؛
فكان للمصاھرة نصیبٌ مفروض ؛ فیورِّث ـ مثلا ـ رئیسُ وزراء لزوجةِ ابنھ
وزارةً أو یورث نائبُ رئیسٍ للوزراء وزارتین اثنتین لصھریھ اللذین لم یبلغا
أشدھما .
في وطننا كان ثَـمَّةَ نفر من الملأ تقلدوا مناصبَ وزاریة ، لعل قلیلا منھم
قد أفلح ، وكثیر منھم لم یترك غیر لَعَاناتٍ تلاحقھ كلما ذكرَه الذاكرونَ ،
والغریبُ أن كثیرا من ھؤلاءِ یؤمنون إیمانا مطلقا بأن حقھم في التوریث
الوزاري كائنٌ برغبة الراغبین أو بسَـخط الساخطین ، وحینئذ تشعرُ أن قلوب
القوم على أبنائھم وحسب ولیس على الوطن الذي اتخذوه كنزا دفینا دافئا ثم
نبذوه وراءھم ظِـھریا لیشتروا بھ ثمنا قلیلا فبئس ما یكنزون ، وحسبُـنا أن
نستقرئ الخارطة الوراثیة التوریثیة في وطننا منذ تأسیسھ إلى یومنا ھذا
لِنُصَابَ بدھشة غرائبیة عجائبیة ، فأین ھم أولئك الذین لم یورثوا أبناءھم ؟
وأما الذین وَرِثوا أو وُرِّثوا فھم كُثُرٌ حسب رأي الشاعر أبي فراس الحمداني
على لسان محبوبتھ التي ساءلتھ من أنت ، فقال لھا : قتیلُـك ، فردت علیھ أیُّـھم
فھم كثر؟ ولقد كثُر ھذا التوریث حتى ظنناه حقیقة لا یأتیھا باطل أو یمسھا
حتى بدا من ھزالھا شحمھا ولحمھا وعظمھا وحتى سامھا كل شامت حاسد .
ناقد أو یتحسسھا كاتب أطلق قلمھ للحریة الدیمقراطیة المبتورة التي ھزلت
إنھا لبئست المرضعة ولبئست الفاطمة إن كانت حقا أو باطلا ، وما ھو
غریب مریب أن تُـتَوَارَثَ المناصبُ الوزاریة ولو كان دونَھا خَرْطُ القتاد أو لو
قُطِّعَت دونھا الرقاب وأخرست دونھا الحناجر ، فھنا تتبدى مقولة : كن أو لا
تكون تلك ھي المسألة بقضھا وقضیضھا وعُجْرِھا وبُجْرِھا .
ولقد وصلَ
التوریثُ بسبب العقم الذكوري إلى الأصھار وأزواج البنات سالمًا غانمًا ،
والغریب قلةُ التوریث للإخوة والأخوات فلعلھ كان بسطوة الزوجات اللواتي
یقررن بمكرھن أن الوراثة الوزاریة دائمةٌ في الولد وولدِ الولد ومنقطعة في
الأخ والأخت وأبناء العم ، ألیس الولد ھو الأغلى !؟ فلیكن كذلك وفي حالة
عدم إنجاب الولد فلتكن في البنات أو في أزواجھن بردا وسلاما وعسلا
مصفَّى، فلا ندري فلعل آلة التوریث تعود (جَذَعَةً) ثانیةً إلى المُـورِّثِ الأول
ما دام على قید الحیاة ولم تتخطفھ المنایا في ساحات الصراع الوزاري ؛
فالكرسي الوزاري، أكان رئاسة أم وزارة لیس بمعزل عن الترویض ولن
یجدوا خیرا منھ ولیا ومولى وطائعا ومطیعا ، وقد صدقتِ الرؤیا بالباطل
لیدخلُنَّ أبوابا مشرعةً لِطَائِـفَـة من بني أبیھ وجده وحفدتھ ما شاء الله لھم أن
یكونوا من أھل الدیار ومن أولي الطَّـوْل والمغالبة ، ألم تطبعِ الصكوكُ وتُخْتَمِ
الأختامُ بأنھم الباقون المؤبدون في كراسیھم حتى یحدثَ الله ولیس الناسُ أمرا
كان مفعولا.
وبعدُ ، فیا أیھا الطبیبُ العَـلْماني إنَّ قَـسَمَ الطبّ یُمْلي علیكَ أن تُعالجَ كلَّ
مریض یشكو ألمًا جسدیًّا ، أمَّا أن تُسَرْطِنَـھُ بأباطیلَ وھمیةٍ فتلك مھمة لا یلیقُ
بأي طبیبٍ أنْ یكونَھَا فضلا عن (المعلولیة) التي واریتھا بالحجاب ، فھناك
آلافٌ من ذوي العقول والخبرات ما یزیدُ على أصھارك سنین شمسیة أو
قمریة إن شئت ، أَمَا وقد فضَحْتَ ما توسوسُ بھ نفسكُ فلو قالھا غیرُ طبیبٍ
لقلنا إنھ الضعف والشَّـیْبَةُ والھرم والھذیان ، ولو كانا من غیر أنسبائك لما
سقطا على مناصبھما بقوة ممزوجة بكل ضروب عصیر التفاح الذي دار على
الملأ بكؤوسٍ مُشْعَـشَعَة بصدأ القلوب ذاتَ ھزیع معتمٍ ولیل ألیلٍ ، وقد
تَغَـلْـغَـلْتَ أیُّـھذا المتخمُ باللبرالیةِ الشیفونیة في الوزارات كما تغلغلَ الماءُ في
أصولِ الخِرْوَعِ ، وقد صَـدَرْتَ عن مناصبِـك المستوبَـلة المُـتَـوخَّمَة ولم تكتفِ
بعدُ ولمَّـا ترتوِ ، أفلمْ یأنِ للذین تكرشتْ عقولھم أن یخشعوا لفقر الوطن ساعةً
منْ نھارٍ ؛ فیكتفوا بما أفیض أو فاضَ علیھم في غفلة من الزمن ، فطال علیھم
الأمد فقست قلوبھم بل ھي أشد قسوةً وعُـنْجُـھیة واسْودادا ، ثم مَـنْ تَـزْعُـمُ أنھ
أوتِـي بھ من الشارع فلیس كما ادعیت بل ھو فتى لھ ما لیس لَكَ ، ولم یأتِ
إلیھ إلا بقوتھ ھو ، أكانَ صادقا أم غیرَ صادق ، فلماذا تُـحرِّمُ على غیرك ما
تحللھ لأمانیك ، إن عقدة التوریث بكامل دسمھا نفختْ كروشا وكبَّـرت روؤسا
وفیھَقَتْ أشْداقًا ما كان لأصحابھا أن یكبروا وینتفخوا ویتفیھَقُوا وقد اتخذھم
والمُجْتَبَى والمُجْتَنَى . الناسُ سِخْرِّیا وھُـزءا، وكأنَّ الوطنَ جنتُّھم وحدَھم لھم منھ الغَـلُّ والمغنمُ
تابعوا القبة نيوز على