اتفاقية الغاز الخيار الصعب للحكومة
اثارت قضية اتفاقية الغاز الموقعة بين شركة الكهرباء الاردنية ونوبل انيرجي الامريكية الكثير من ردود الفعل الرافضة لهذه الاتفاقية والمنددة بعقدها على قاعدة انها تمثل تطبيعا في العلاقات الاقتصادية وشكلا من اشكال التعاون مع دولة محتلة متناسين انه ومهما كان توصيف تلك الدولة فالاردن وقع معها اتفاقية سلام تضمنت اعترافا متبادلا وعلاقات اقتصادية وبالتالي فالاردن من الوجهة الرسمية والقانونية يتعامل مع اسرائيل تعامل دولة مع دولة وفق اتفاقيات حظيت بموافقة مجلس الامة. ان من واجب الحكومة الاردنية بالاصل حماية مصالح الدولة الاردنية وشعبها وفي سبيل ذلك فهي مسؤولة عن استدامة الحياة الاعتيادية للناس وفعاليات المجتمع المختلفة ومنها الفعاليات الاقتصادية وبهذه الصفة فانها تعمل باستمرار على توفير مصادر الطاقة وفق معايير الاستدامة والكلفة المعقولة بما يضمن كلفا تشغيلية مناسبة للصناعات واسعار كهرباء في تناول يد المواطن الاردني وبما يتناسب مع دخله وهنا فان الاخلال بهذه المبادئ لاسباب مختلفة قد ادى الى زيادة تسعيرة الكهرباء على المستهلكين وهي زيادة ستستمر حتى يتم الوصول الى معدل سعر التكلفة للكيواط الواحد وهي من الاسباب التي ادت الى خضوع الاردن لبرامج تصحيح اقتصادية برعاية واشراف ومتابعة صندوق النقد الدولي الذي لم يعد هناك بد من اللجوء اليه لضمان وصول الهبات والمساعدات من جهة ولاتاحة المجال للحصول على ديون جديده تذهب في معظمها لتوليد الطاقة الكهربائية حيث ديون شركة الكهرباء تتجاوز 5 مليار دينار وهي ديون تستدعي من بين امور اخرى سداد فوائدها الى جانب اقساطها ومع ذلك فالضغوط الدولية من الجهات الدائنة والمانحة وحتى من الدول الشقيقية لتعديل اسعار الكهرباء ورفع الدعم عن المياه والخبز وفرض ضرائب ورسوما اخرى على السلع والخدمات والمنتجات وتعديل قانون ضريبة الدخل ليشمل مكلفين ما زالوا معفيين حتى الان تظل قائمة لكن مثل هذه الاتفاقية تعطي الحكومة متسعا من الوقت للبحث عن بدائل لا ترهق كاهل المواطنين. امام جملة الوقائع هذه تجاهد الحكومة الاردنية التي كان يستهويها عدم توقيع اتفاقية الغاز والحصول على ثقة مجلس النواب دون مشقة تذكر نقول كان يستهويها اللجوء الى الخيارات التي تتهم الحكومات بها والاسهل عليها وهي جيب المواطن لكنها اختارت تحمل كلفة الاحتجاج ضدها على ان تفرط في توقيع اتفاقية تسمح بتوفير 300 مليون دولار سنويا عند سعر يتراوح بين 50 و60 دولار لبرميل نفط برنت دون ان تستثني الاستفادة من طاقة الشمس والرياح التي يتوقع ان تشكل 6% من مزيج الطاقة في العام 2017 ودون ان تتوقف عن المضي قدما باستخراج النفط من الزيت الصخري أو تتوقف عن توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية بحيث سيتم انتاج 1000 ميجا واط في العام 2022 و1000 ميجاواط اخرى في العام 2023 وهو ما سيعني انخفاض الاعتماد على الغاز لتوليد الكهرباء الى الحد الادنى. هنا علينا ان نلاحظ ان من ينتقدون الحكومة لا يقدمون بدائل ذات استمرارية وبالذات عند الحديث عن استيراد الغاز من مصدر عربي او اسلامي فالتجربة المصرية اثبتت ان مثل هذه الاتفاقيات لا تدوم طويلا واي خلاف سياسي يطيح بها ولنا فيما يحدث بين مصر والسعودية خير دليل اكثر من ذلك فان الاحتجاج يطال الطاقة النووية ايضا وهو باب يطرقه الاردن من اجل تنويع مصادر الطاقة فاذا لم نستثمر مصادر الغاز الارخص ولم نستثمر مصادر الطاقة الاكثر تطورا فكيف يمكن لنا توفير الطاقة للاردنيين الذين يزداد استهلاكهم السنوي من الكهرباء بنسبة 6% واذا كان الرافضون للغاز بحجة التطبيع والرافضون للطاقة النووية بحجة البيئة والرافضون للغاز الايراني بحجة السياسة فهل تظل الحكومة رهينة هذه الاحتجاجات وهل سيساندها المحتجون ان استغنت عن كل المصادر الخارجية والنووية ولجات لتقنين استهلاك الكهرباء او رفعت سعرها؟ اجزم ان المحتجين انفسهم سيحتجون من جديد ضد الحكومة ما يعني ان الحكومة في الحالتين ستظل محل انتقاد واذا كان عليها ان تختار فهي تفضل ان تنتقد بعد ان توفر الغاز للمواطنين على ان تنتقد دون توفيره.
* نائل الكباريتي
عضو مجلس الاعيان الاردني
رئيس الاتحاد العام للغرف العربية