الإصلاح السیاسي بین الإرادة والالتفاف
- تاريخ النشر : 2018-11-22 17:05:07 -
عامر غزلان باحث في الشؤون البرلمانی
القبة نيوز- تقلقني المحاولات المستمرة والمتعمدة من قبل السلطة التنفیذیة من جھة، والقطاع المدني والإعلام من جھة أخرى، لشیطنةمؤسسة مجلس النواب، ومحاولة اظھارھا بمظھر المؤسسة العاجزة عن إحداث أي تأثیر یحقق قبول المواطنین سواء فيعملیة التشریع أو في الرقابة، وأن المنقذین الوحیدین ھما الدیوان الملكي والحكومة فقط، بید أننا طوال السنین الماضیة لمسنا ما ھو عكس ذلك تماماً، فجمیع القرارات والمقترحات التي أثرت سلباً على معیشة المواطن الأردني ورضاه عن الوضع العام كان مصدرھا الحكومات المتعاقبة التي تعمل لوحدھا وتفرض رغبتھا في كل ما یتعلق بعمل مؤسسات الدولة، وتضغط بكل الوسائل المتاحة بیدھا (وبیدھا كل شيء تقریباً) لتمریر ارادتھا وبرنامجھا، فعلى سبیل المثال، النائب الذي حصل على مقعده من أصوات دائرة انتخابیة محددة بمساحة المحافظة، ھو مجبر على تقدیم الخدمات لأھل ھذه المحافظة، لیضمن فوزه بأصواتھم للدورة الانتخابیة التي تلیھا، والخدمات على اختلاف اشكالھا من خدمات صحیة وتشغیلیة واداریة ھي سلطة بید الوزارات، حیث یترتب على النائب ان یطرق باب كل وزارة كلما توجب علیھ تلبیة أي خدمة من الخدمات التي تطلب منھ، والنائب الذي یعارض الحكومة بإرادة شخصیة والذي یعمل بإرادة شخصیة خالصة في مجال الرقابة والتشریع لن یتمكن من تقدیم أي خدمة للناس، وسوف تحاصره اجھزة الحكومة وتبعده عن نیلھ لرضى قواعده الانتخابیة، وتغلق أبواب الوزارات في وجھھ، تاركةً خط الرجعة مفتوحاً أمامھ، وطریق الرجعة معروفة، وھي المجاراة والتأیید المستمر والبقاء تحت ظل
رغبات الحكومة.
فحتى میزانیة مجلس النواب ومیزانیة دیوان المحاسبة،الذرع الرقابي الأول لمجلس النواب؛ ما زال أمر تحدید میزانیتھما بید الحكومة، رغم كل الجھد الذي بذلھ المجلس السابع عشر سابقاً، في سبیل فك ھذا التداخل الصارخ بین
السلطتین.
مجلس النواب ھو مؤسسة الحكم والتشریع الأولى، والمؤسسة الأعلى شرعیة تمثیلیة بین باقي مؤسسات الدولة، وتشكیل المجلس یأتي على فصالة قانون الانتخاب، وعمل المجلس یحكمھ النظام الداخلي والدستور، فاذا ما كنا جادین بالدفع بعربة الإصلاح السیاسي فأول ما علینا فعلھ ھو اصلاح قانون الانتخاب، والنظام الداخلي لمجلس النواب، والمواد العالق بالدستور، وھذا یبدأ بإنجاز قانون إنتخاب جدید یضمن حصة لاتقل عن الثلث من مقاعد المجلس للقوائم الحزبیة المنتخبة على الدائرة الوطنیة، واضافة مادة بالدستور تكفل للأحزاب الحق في حصة في مجلس النواب، كي لا یتم الطعن بھا دستوریاً كما حصل عند اقرار قانون الانتخاب عام 2012 ،حیثُ خَلٌصَت دراسة لمركز القدس للدراسات السیاسیة بعنوان: "أثر قانون الانتخاب لعام 2016 على بنیة مجلس النواب وأدائھ" بأن صغر الدوائر الانتخابة یعد السبب الأھم لضعف قانون الانتخاب، والذي أدى إلى ضعف أداء مجلس النواب الحالي، حیث أن دوائر الانتخاب الأوسع نطاقا تفتح المجال أمام ترشح الحزبیین وأمام تشكیل بھا المجلس الحالي بسبب ھذا القانون.
الإئتلافات الحزبیة، التي بمقدورھا أن تأتي للمجلس ببرنامج مشترك على الأقل، أفضل من حالة التشرذم والفردیة التي یعمل وعلى صعید النظام الداخلي لمجلس النواب، فإنھ یتوجب الدفع بتعدیل النظام الداخلي لجھة وضع صلاحیات تنظیم عمل المجلس وصلاحیات تحدید الأولویات التشریعیة بید المكتب التنفیذي بدلاً من ابقائھا بید الرئیس وحده، حیث أن المكتب
التنفیذي یتشكل من أعضاء المكتب الدائم ورؤساء الكتل النیابیة أو من یمثلھا وممثلاً عن المستقلین عن الكتل، مما یجعل قراراتھ أقرب لأن تمثل إرادة مكون مجلس النواب؛ ومن ثم رفع عمر اللجان النیابیة من سنة إلى سنتین على أن تتشكل بقرار من المكتب التنفیذي على أساس الإلتزام بمبدأ التمثیل النسبي للكتل النیابیة باللجان، والذي من شأنھ أن یحقق الاستقرار
التشریعي من جھة، وأن یرفع من جودة التشریع من جھة أخرى حیث تتشكل اللجان من المكون السیاسي داخل مجلس النواب "الكتل النیابیة".
ولتحقیق مبدأ الشفافیة لتمكین الناخب من مراقبة السلوك النیابي لنائبھ، یجب النص في المادة (88 (من النظام الداخلي على الزام المجلس باستخدام التصویت الالكتروني على أن تتولى الأمانة العامة إعداد سجل لكل جلسة تبین فیھ أسماء النواب ینشر السجل على الموقع الرسمي للمجلس لیكون متاحاً أمام المواطنین ووسائل الإعلام.
الحاضرین وأسماء النواب الغائبین بعذر أو بدون عذر، وأن یبین السجل نائج تصویت النواب على قرارات المجلس، وأن أعتقد أننا كلما أسرعنا في إنجاز تحدیث ھذه القوانین، كلما صرنا أقرب إلى الحصول على سلطة تشریعیة قویة ومستقلة، وقتھا ستكون ھذه السلطة قادرة على تحمل مسؤولیات جمیع قراراتھا، بدون أي عذر عملي أو تقني وسوف تكون المسطرة واضحة أمامنا للحكم على أداء ھذه السلطة وعملھا بدون تجدیفٍ ولا تزییف.
تابعوا القبة نيوز على