شباب البلد في أبھى صورھم
- تاريخ النشر : 2018-10-28 18:50:29 -
القبة نيوز-حضرت أمس السبت الموافق 27 من شھر اكتوبر الحلقة النقاشیة الأولى التي
نظمھا مجموعة من الشباب الأردنیین أطلقو على أنفسھم اسم "شباب البلد"، لم یكن
معتاداً بالنسبة إلي أن یكون المتحدثون والمنظمون والمشاركون ومیسر الجلسة
أیضاً حصراً من الشباب، أكاد أجزم أنھ قد شابتني مشاعرٌ من الفخار بجھد لم أساھم
أنا ولو حتى بجزءٍ بسیط منھ؛ لأولِ مرة منذُ فترة طویلة أكون متواجداً في حوارٍ
علميّ ومنظم یتحاورُ فیھِ الشابات والشباب ھویاتھم من مختلف مرجعیاتھم
وانتماءاتھم السیاسیة والفكریة عن مستقبلھم ومستقبل دولتھم وتطلعاتھم للدور
المطلوب منھم لمراحل ما بعد النجاة من الانقیاد للسلطات الوصائیة التي عانینا منھا
طیلة العقود الماضیة بشقیھا: المجتمعي والمتمثل بالعائلة أو العشیرة، والسیاسي
والمتمثل بالتجمعات الشبابیة التي طالما عملت الاجھزة الأمنیة على قولبتھا بقالب
الولاء والطاعة المستمرة.
استغرابي من ھذا الحضور الشبابي ما ھو إلا نتیجة تشوه في مفھوم الشباب لدي،
واعتقد أن مجموعة كبیرة من الأردنیین تعاني من ھذا التشوه بالمفھوم أیضاً، حیث
أننا ما زلنا مصرین ولو بدون قصد أن نتعامل مع ھذه الشریحة من المجتمع معاملة
الشریحة القاصرة، أو معاملتھا كحالة تحتاجُ خصوصیة معینة والنظر الیھا نظرة
مختلفة عن النظرة التي نعاین بھا باقي شرائح المجتمع. لا أعلم ما ھو التأثُر الذي
یتعرض لھ الشباب دوناً عن غیرھم؟
البطالة؟ التطرف؟ التخلف؟، كل ھذه المشاكل
التي نختص بھا فئة الشباب ھي مشاكل عابرة للعمر والجنس، لكننا وبسبب تصدیقنا
لوھم الرعایة والوصایة، صرنا نحاول أن نصنع ملاجئ لطاقاتِ ھذه الشباب، لا بل
ذھبنا لأبعد من ذلك، لأن یقرر كبار العُمر متعذرین بخبرتھم مستقبل الشباب
ومجالات اھتماماتھم، وأن لھم حصة من الموازنة العامة للدولة الأردنیة تنفق عبر
وزارة الشباب!؛ كل ھذا والمجتمع الأردني یتشكل من أغلبیة شابة، كیف لو كانت
نسبة الشباب أقلیة عددیة مثلاً؟، إنھا حالة من الوھم الذي غالباً ما أراهُ مصطنعاً،
حتى أنني الیوم كشاب في منتصف العشرین من عمري أقع أحیاناً في ھذا الفخ في
تشخیصي لواقع الشباب لولا أن شباب الأردن ینبھونني دائماً لمكاننا الطلائعيّ
بغض النظر عن ھویاتھم ومرجعیاتھم وانتماءاتھم السیاسیة والفكریة.
إن الشباب الذي یتحاور في مقھى صغیر في منطقة وسط البلد في العاصمة عمّان،
حول مستقبل الأردن بعد الإنتقال من مرحلة الإعتماد على الغیر إلى الإعتماد على
الذات لیسَ شباباً عادیاً، والشباب المتسلح بالخبرات والكفاءات والذي یطالب
استمراراً بحقھ بالمنافسة لمواقع صنع القرار على معاییر الكفاءة وتكافؤ الفرص
بعیداً عن تأثیر تأثیر المحسوبیة والواسطة في ھذا المجال لیس شباباً عادیاً،
الأردنییون یریدونھا منافسة دیمقراطیة شفافة یسعون من خلالھا لاستلام مواقع
صنع القرار خوفاً على دولتھم ومستقبلھا وطمعاً في مزید من السیادة ومزید من
تكافؤ الفرص بینھم جمیع أبناء الوطن الواحد.
إن المجموعة الصغیرة من الشباب التي تتمكن من الخروج بتوصیات واضحة
كھذه في اجتماعِ سلمي ومتحضر ھي كنز حقیقي للعقل الذي تفكر فیھِ الدولة،
ومصدرٌ لشرعیتھا وسیادتھا، وحريٌ بأي عقلٍ غیور یدیر دولتنا أن یبادر ھو
بالإنصات الجاد والاستجابة المباشرة لما یریده الأردنیون على لسان شبابھم،
حضور الدكتور محمد أبو رمان وزیر الشباب ووزیر الثقافة للجلسة النقاشیة
البارحة وبدون دعوى حتى، وبمبادرة شخصیة منھ، ھو الخطوة رقم "صفر" في
طریق تحمُل المسؤولیة، الخطوة الأولى المطلوبة ھي دعم التوصیات التي یخرج
بھا الشباب في كل اجتماعٍ لھم، قانون انتخاب یساوي بینَ عمر المترشح والمقترع،
مجالس لامركزیة كاملة الصلاحیة، تخصیص موازنة الدولة المخصصة للشباب
بالتحاور مع الشباب أنفسھم، تعبید الطریق أمام الشباب وتمكینھم بالأدوات اللازمة
لیتمكنو من الاعتماد على انفسھم وایجاد فرص عمل ومشاریع صغیرة توفر لھم
حیاة كریمة، إزالة القیود والعوائق التي تحد من حق الشباب في تشكیل الجمعیات
والنقابات والانضمام إلیھا، احترام حریات الرأي والتعبیر، وتقویة دور الإعلام في
النھوض بالمجتمع اجتماعیاً وسیاسیاً وثقافیاً، إتاحة حریة أكبر للشباب للاندماج في
الحیاة السیاسیة مع العمل على تذلیل مشكلة التدخلات الأمنیة، رفع القیود عن
ممارسة العمل السیاسي والحزبي في الجامعات الأردنیة الحكومیة والخاصة، من
أجل أردن حر ومستقل لجمیع الأردنیین.
تابعوا القبة نيوز على