لماذا كتبت مقالتي الأخيرة ..
- تاريخ النشر : 2018-03-19 15:54:18 -
الدكتور طلال الشرفات
القبة نيوز - عاتبني بعض الاصدقاء بين محتج ومستغرب على امتداح الحكومة في التعديل الأخير ومنهم من وصل الى مرحلة الأدانة ، ويتوزع هؤلاء بين ساسة ومراقبين ومثقفين ولكن القاسم المشترك بينهم حالة الأحباط التي ترتسم في اذهانهم عن المشهد الوطني ، منهم من قرأ فقرات المقالة بصورة مجتزأة وبعضهم من حاكم جزءاً منها واصدر عفواً عن البقية ، وقليل منهم من يحمل صورة سوداوية للحكومة لا يقبل معها أي اشادة بأي سلوك ايجابي للحكومة وعلى قاعدة احتكار الحقيقة في توصيف وتوظيف تلك الصورة القاتمة .
ليس لي مصلحة في نقد او امتداح الحكومة او البرلمان الا في اطار امانة المسؤولية والتحليل الأمين لما يجري واضاءة شمعة في ظلام اليأس والقلق الذي يعتري اذهان النخب والمتضررين من الاوضاع الاقتصادية الصعبة ، وليس بالضرورة ان يتطابق تحليلي ورؤيتي مع رؤية هؤلاء الاصدقاء واستنتاجاتهم ، واذ كنت اجد العذر لهم بعدم الاتفاق معي الا ان ذلك لا يعني بالضرورة انني كنت على خطأ فيما وصلت اليه .
عندما امتدحت التعديل دون تفصيل فلأنني لمست فيه خروجاً على مبدأ التوريث السياسي الذي رافق الحكومات الاردنية منذ الازل ، ولأن الخلل في شكل الحكومة ومضمونها قد جرى جبره بشكل معقول بطريقة او بأخرى ، امتدحت التعديل لأن فيه وزيراً قام بتاجير بيته لتسديد ديونه واستاجر شقة اصغر وآخر كان خادماً للعلماء في طعامهم وشرابهم وخدمتهم في ذات الوقت الذي كان رئيساً لجامعة ، وثالثاً يئن تحت وطأة الديون رغم انه كان يشغل موقعاً يستطيع ان يجمع اموال طائلة من خلال الاعتداء على الثقة العامة فقط ورابعاً كان مثالاً للعصاميه والأبداع في مسيرته الوظيفية والاكاديمية ، امتدحت التعديل لأنه اتاح الفرصة – وربما للمرة الأولى - لأبناء الرعيان والحراثين ان يصبحوا وزراء في الدولة الأردنية .
لقد طرحت في مقالتي الأخيرة خطاباً تصالحياً بعد ان ارتفع سقف الخطاب الى مرحلة تكاد تفتك بالوفاق الوطني وتلغي ثقافة التسامح الى استحقاق الأحتكام الى سيادة القانون وهي مسألة لا يحبذها حتى اولئك الذين رفعوا سقف خطابهم بطريقة تخالف احكام الدستور من ناحية قانونية صرفة وتوجب مساءلة لا نرضاها لهم وللوطن، وتلك هي مفهوم الواقعية السياسية التي اشرت اليها آنفاً .
السياسي الوطني لا يقول كل ما يعرف في كل وقت والمفكر الأمين يعظم جوامع الحوار والسلم الأهلي ، والمثقف الواعي يقرأ القادم المجهول بروح المحب لوطنه وفق قواعد الممكن والمعقول ، والقراءة الأمينة للمشهد الوطني تستدعي الحذر والحكمة في وطن مستهدف من جهات عديدة ، وهذه الحكمة مطلوبة من الحكومة والنخب وباقي السلطات والمؤسسات سيما وأن ثمة محاولات لأقحام الأردن في صراعات اقليمية ليس لنا فيها طائل او مصلحة ، وان هناك محاولات لأبتزاز الأردن للتخلي عن ثوابته الوطنية والقومية وهو ما يستدعي التوحد في مواجهة تلك الأخطار التي تتجاوز في خطورتها كل القضايا الخلافية في اطارنا الوطني .
الواقعية السياسية والحكمة الوطنية ليستا مشجباً يستوجب الأعتراض ، وانما تقدير لأولويات المصلحة الوطنية العليا ووضع الحكومة امام مسؤولياتها في محاربة الفساد وتحقيق العدالة والاحتكام لسيادة القانون في الأداء العام ، والتخفيف على الفقراء وفتح آفاق الأستثمار وتوفير فرص العمل والتوحد والألتفاف حول قيادتنا في هذه الظروف الصعبة .
قرار وزير المالية بأستبعاد كافة طلبات الوظائف المعلن عنها والتي يتم التوسط بها نقطة مضيئة وسلوك يحترم ومقاومة للواسطة والمحسوبية تستحق التقدير والدعم ، وهو سلوك يتوجب ان يعمم على كافة الوظائف وخاصة القيادية منها ، فقد ارهقتنا الشللية والمحسوبية وقض مضاجعنا الأقصاء والخنوع والأستسلام للمسؤول الأعلى على حساب الشفافية والعدالة والمساواة التي يفترض ان تكون الظل الظليل لكل الاردنيين دون استثناء .
العمل السياسي رؤية وليس حالة انفعال وحسن تقدير الموقف واجب مكلل بخلق الأردنيين دوماً والمشاعر الأردنية الرقيقة المغلفة بالوعي هي وحدها الكفيلة بالنهوض بالوطن ودرء العاديات عنه ، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء .....!!!
تابعوا القبة نيوز على