بعد 200 عام.. علم الوراثة يكشف السر البيولوجي الذي حطم جيش نابليون في روسيا
في واحدة من أكثر فصول التاريخ العسكري مأساوية، لم تكن سيوف الروس ولا شتاؤهم القاسي هما اللذان حطما أحد أعظم الجيوش في التاريخ، بل كان العدو الأصغر حجمًا والأكثر فتكًا: الأمراض والميكروبات. الآن، وبعد أكثر من مائتي عام، يعيد علماء الوراثة فتح ملف هذه الكارثة باستخدام أحدث التقنيات، لاكتشاف الأسرار البيولوجية التي غيرت مسار أوروبا وأسهمت في ولادة علم الأوبئة الحديث.
التحقيق العلمي في جثث التاريخ:
يقود عالم الوراثة الكندي، هندريك بوينار، فريقًا بحثيًا في مهمة أشبه بما يفعله "محققو الجرائم البيولوجية"، لكن في ساحة معركة يعود تاريخها إلى عام 1812. من خلال تحليل الحمض النووي المستخرج من رفات آلاف الجنود الفرنسيين في المقابر الجماعية على طول طريق تراجع نابليون من روسيا، يحاول الفريق تحديد القتلة المجهريين الحقيقيين الذين قضوا على ما يقرب من 90% من ذلك الجيش الجرار.
الكارثة التي أنقذت الملايين:
في قصة تربط المأساة بالخلاص، يكشف البحث عن صلة مذهلة: أن التقارير الطبية عن أمراض جنود نابليون كانت الحجر الأساس الذي بنى عليه الطبيب المجري، إغناز سيملفيس، نظريته الثورية حول تعقيم الأيدي. كانت ملاحظات سيملفيس حول انتقال العدوى من الجثث إلى المرضى هي الشرارة التي أدت إلى تطوير ممارسات التعقيم في المستشفيات، مما أنقذ حياة ملايين الأمهات حول العالم لاحقًا.
كبسولات الزمن في الأسنان:
يستخدم العلماء أسنان الجنود الموتى ك "كبسولات زمنية" بيولوجية. فلب السن، بغناه بالأوعية الدموية، يحبس بدقة مسببات الأمراض التي كانت تدور في دماء الجنود في لحظاتهم الأخيرة. وقد أكدت النتائج الأولية وجود بكتيريا الحمى الخنادقية بين الضحايا.
تحديات الحمض النووي القديم:
يواجه الفريق تحديات جسيمة في عمله، أبرزها تدهور الحمض النووي على مدى قرنين من الزمن، بالإضافة إلى التلوثبالبكتيريا الحديثة أو الحمض النووي للباحثين أنفسهم. يتطلب هذا الأمر تقنيات متطورة لاستخلاص الإشارات الجينية الحقيقية من بين ركام التلوث والتحلل.
يقول بوينار: "هؤلاء الجنود لم يموتوا سدى، لقد ساهموا دون قصد في كتابة فصل مهم من فصول علم الصحة الذي نعيش بركاته اليوم". هذا المشروع لا يكتفي بكشف النقاب عن سر تاريخي غامض، بل يذكرنا بأن مسار التقدم البشري غالبًا ما تُنسجه خيوط مأساوية.















